خالد بن عبدالكريم الجاسر
بمجردِ أنْ نسمعَ مصطلحَ القوةِ العُظمى يتبادر للذهن فوراً أمريكا، ولا يعي أغلبنا أن هناك جهاتٍ أخرى تزحفُ بهدوءٍ نحوَ قمةِ سُلَّمِ النفوذِ العالميِّ، وَلَاؤها فقط لأهداف تُدير العالم دون حاكم لها ولا رادع، لها الكلمةُ الأولى في أوقات السِّلْمِ والحربِ، كيفَ لا وهي تسيطرُ على اقتصادِ البشرية؟، إذ استطاعت عبر أبواب سحرية سًميت بـ «وسائل التواصل الاجتماعي»، ورغم إيجابياتها إلا أنها سلاح يزداد حديته متى تعارضت مصالح تلك الوسائل مع مستخدمها، والإفراط في استخدامها وما يتعلق بها بشكل خاطئ يتسبب في الكثير من الأضرار، فقد يكون لمنشور واحدا على صفحة ما بمثابة قنبلة نووية تتسبب في قيام قيامة دولة ما أو هلاك وقتل وجرح الملايين من الناس في أرجاء دول عدة لأنها ببساطة تتحكم في المحتوى المنشور على صفحاتها ويُبثُ لأكثر من ثُلُثي العالم من إجمالي سكانه البالغ حتى أول يوليو 2020 7.8 مليار نسمة، فمثلاً وقوفها السلبي تجاه القضايا العربية وعدد من حقوق الإنسان بالعراق وسوريا واليمن وليبيا ومسلمي الروهينجا وغيرهم قائمة لا تُحصى، إذ أثارت واقعة حجب عملاق وسائل التواصل الاجتماعي المحتوى الإعلامي بأستراليا حالة كبيرة من الغضب لدى المسؤولين والسياسيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، خاصة بعدما حذف الموقع أيضاً الصفحات الصحية الرسمية وتحذيرات السلامة الطارئة وشبكات الرعاية الاجتماعية.
ولا تتعجبْ فالشركاتُ العملاقةُ أو المؤسساتُ الاقتصاديةُ في مجال التواصل الاجتماعي صارت تنافسُ الدولَ العظمى في التحكُّمِ في الكوكبِ، من منطق الذباب الإلكتروني، وهو ما بدا من مخاوف عدد مُتزايد من الدول بشأن ما يحدث، وإلا ما صار مع الرئيس الأمريكي السابق «ترامب»، وحجب حسابه بحجة الامن القومي الأمريكي، ومثله معاقبة نتنياهو بعد تحريضه الدموي ضد العرب، بل وحذفت بعض وسائل التواصل الصفحة الرئيسية لجيش ميانمار بموجب معاييره التي تحظر التحريض على العنف.
والسؤال هو لماذا لم تكن تلك السياسة موجودة مع قاتلي أبرياء العرب وغيرهم؟، ناهيك عن الكراهية للآخرين، ولعل ما أعطت الشركة المالكة لتطبيق ما، الحق لنفسها واشترطت لمستخدمي التطبيق إعطاءها صلاحيات الاطلاع، وحفظ خصوصيات المستخدمين أخيراً؛ لدليل قاطع على تسلط تلك الوسائل على مُستخدميها، فأين الرادع لذلك؟.. وكأنها خطط لجمع أكبر قدر من البيانات والمعلومات واستغلالها عبر بيعها والمُتاجرة بها لأغراض سياسية وأمنية وتُجارية.. لتُنعشَ اقتصادَها فقط، خاصة وأن من بينِ أقوى مئتيْ كيانٍ اقتصاديٍّ في العامَ الماضي هناكَ (157) شركة لا دولاً، بل وهناك من بين أقوى مئةِ كيانٍ اقتصاديٍّ 69 مؤسسةً تعمل في مجال التواصل الاجتماعي، فما هو مُستقبل الكوكب في ظل ذلك؟.. ألم يحن الوقت لتنظيم دور وسائل التواصل، أو على الأقل الحد من تسلطها؟.
لقد أصبحَ مفهومُ الشركاتِ العابرةِ يمثلُ تحدياً جديداً لتعريفِ القوةِ العظمى عابرة للقارات، حتى أضحت مؤخرًا تمثل تهديدًا بسبب سوء استخدامها، وهو تحد يتعارض مع الأهداف الربحية لتلك الشركات.. وقد دق ناقوس خطر مبكراً حول سلبيات استخدامها التي لم تقتصر بإثارة العنف ونشر المعلومات المغلوطة على الدول حديثة استخدام الإنترنت فحسب، بل تم رصدها في دول أخرى منها سريلانكا وإندونيسيا والهند والمكسيك والولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن ألمانيا، إذاً هي مفتاح يخلق مناخاً يمكن أن تصبح فيه الكراهية والعنف أمراً مشروعاً جعلت بيننا «إرهابيين إليكترونيين»، إذ كانت تحتوي موادهم على اتجاهات متطرفة ومفاهيم معينة يتم التعامل بها بشكل متكرر على أنها حقيقة.». بل وفي أوقات حاجتنا للتكاتف صارت منصات التواصل هي الأكثر تداولاً لمعلومات كورونا المُضللة؟، كل ما سبق وغيره دفع كثيرا من البلدان كالولايات الأمريكية تقاضي وسائل التواصل.. والنتيجةُ هي ما نراهُ الآنَ: بشرية مطحونة دُهستْ حقوقُهُم لتحقيقِ الأرباحِ للكبارِ، والأدهى من ذلك أن تلكَ الشركاتِ تملكُ النفوذَ الكافي لجعلِ الحكوماتِ تخوضُ المواجهةَ نيابةً عنها فهل حان تفكيكها؟