أ.د.عثمان بن صالح العامر
ممّا منَّ الله به علينا في هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية وجود علماء يبصِّرون الأمة بالحق ويرشدون الناس إلى الخير ويدلوننا جادة الصواب وطريق الله المستقيم ويبيِّنون لنا الموقف الشرعي الصحيح سواء أكان هذا التبيان في باب العقيدة - الذي هو الأس والركيزة لما عداه -، أو العبادة - التي هي علاقة مباشرة وصلة دائمة بين الإنسان وربه - أو السياسة أو الاقتصاد أو غير ذلك من دروب الحياة المختلفة وأمور الدنيا المتجاذبة المتسارعة، وإن عد هؤلاء العلماء الأحياء منهم والأموات فإن في مقدمتهم ومن بينهم فضيلة العلاَّمة الفذ الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله.
لقد مرَّت بنا في حياة الشيخ -رحمه الله - شدائد ومحن سياسية وعسكرية وفكرية واقتصادية تتماثل في وجوه عدة مع ما نحن فيه اليوم، وكان كثيراً ما يؤكِّد في محاضراته وأجوبته ودروسه ولقاءاته ومجالسه على وجوب الالتزام بالطاعة المطلقة لولي الأمر والالتفاف حوله والوحدة المجتمعية خلفه، مثله في ذلك مثل سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله - وسماحة المفتي معالي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، وأصحاب المعالي والفضيلة الشيخ صالح الفوزان، والشيخ صالح آل الشيخ، والشيخ سعد الشثري وغيرهم كثر سواء أكانوا من أعضاء هيئة كبار العلماء أو الدعاة والباحثين وأهل الاختصاص الذين أنصح القارئ الكريم بالاستماع لما قالوه في هذا الباب وقراءة ما كتبوه ودوّنوه والذي جزماً سينتهي به هذا كله إلى قاعدة جامعة مانعة فحوها أن (الإجماع لدى علمائنا الربانيين المعتبرين الأموات منهم والأحياء» وجوب طاعة ولي الأمر طاعة مطلقة إلا أن يرى الإنسان منهم بنفسه كفراً بواحاً عليه من الله دليل، وإذا كان الأمر الذي جاء منهم أمراً بمعصية محل اتفاق، فالمرء - كما ذكر ابن عثيمين رحمه الله - يبقى على طاعته لولي الأمر فيما عدا الطاعة في هذه المعصية، وطاعة الأمراء والوزراء والرؤساء ومديري المؤسسات الحكومية - لدى الشيخ -رحمه الله - هي من طاعة ولي الأمر صاحب الولاية العامة في الإسلام، فهم نواب عنه كل فيما يخصه»).
ومع أن هذا هو الموقف المروي عن هؤلاء العلماء استناداً منهم على ما جاء في كتاب الله أو أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً وإقراراً، إلا أنني خصصت الحديث في هذا المقال عن الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله - لأنني وجدت في تراثه تفصيلاً وبياناً لكثير من المسائل التي هي محل الحديث اليوم كحكم البيعة للتنظيمات الحزبية، وحكم الانشغال بالكلام على ولاة الأمر واغتيابهم وتتبع عثراتهم، والتدخل في سياستهم، وطريقة أهل السنة والجماعة في مناصحتهم وواجب الدعاء لهم، وحكم المظاهرات، فضلاً عن المسائل التي قد تكون لدى البعض من شباب وفتيات عالمنا الإسلامي شبهاً وإشكاليات خاصة من كان منهم ذا صلة مباشرة بالفكر السياسي الغربي، أو أنه على النقيض، من أصحاب الفكر الإرهابي المتطرف الذين شرعنوا للخروج على ولي الأمر بعد أن كفَّروه بالمعصية إن كان ثمة معصية أو أنهم توهموا وزوَّروا له ما يبررون به لأنفسهم وأتباعهم الثورة عليه والقتل لرعيته وشعبه تحت مسمى الجهاد للأسف الشديد، مستنين بسنة سلفهم الخوارج الذين حذَّر من منهجهم رسولنا محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. وحق هذا التراث الثر والبيان الناجع والحق الساطع أن ينشر ويدرّس وتكتب فيه الرسائل الجامعية خاصة في وقتنا هذا، حيث التأكيد على وجوب الوقف خلف قيادتنا صفاً واحداً متراصَ اللبنات حماية لوحدتنا الوطنية وحراسةً لعقيدتنا الإسلامية ودفاعاً عن أرضنا ومقدساتنا وخيرات ربنا علينا في هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء، والسلام.