د. فهد بن أحمد النغيمش
لا أحد يمكن له أن يقلل من دور التخطيط الاستراتيجي The Strategic Planning في نمو ورقي العديد من المؤسسات الحكومية والقطاعات الأهلية ومعظم النجاحات التي تمت في تلكم المؤسسات كان السبب الأكبر فيها هو التخطيط الاستراتيجي المنظم والمبني على اليقين التام بأهميته وفاعليته في تحقيق الأهداف المرحلية لكل مؤسسة.
برزت فكرة التخطيط الاستراتيجي كبداية أولية عام 1950م في الولايات المتحدة الأمريكية حيث تبنته معظم الشركات الكبرى وحقق نجاحات كبرى في الأرباح والنتائج، وفي عام 1970م غدت أفكار التخطيط الاستراتيجي منتشرة في أغلب الشركات الكبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية وفي عام 1980م تحديداً أصدرت الشركات، والمنظمات، والمؤسسات العامة اعترافاتها حول نجاح التخطيط الاستراتيجي، وتقديمه مجموعة من الفوائد التي تدعم عملها، وخصوصاً بعد تطبيق التسويق لأعمالها الذي اعتمد على وجود استراتيجية معينة، ثم حرصت جامعة «هارفرد» العريقة، وتحديداً كلية إدارة الأعمال التابعة لها على وضع مجموعة من النماذج، وصياغة سياسة خاصة بالتخطيط الاستراتيجي العام، والذي تضمن وضع منهج خاص به احتوى على معلومات حول الفرص، ونقاط الضعف، والقوة، والتحديات، وتم تطبيقه على نطاق العمل في الجامعة، وشكّل لاحقاً النموذج المعتمد للتخطيط الإستراتيجي».
إن التخطيط الاستراتيجي ما هو إلا عملية منهجية تسعى إلى تحقيق تصور واضح حول مستقبل شيء ما كرؤية المملكة 2030 على سبيل المثال؛ وذلك من أجل ترجمتها، وتحويلها إلى أهداف ملموسة تعتمد على سلسلة من الخطوات المرحلية، وأيضاً يعرف بأنه وضع الأهداف العامة لبيئة العمل، وتحديداً التي تحتاج إلى وقت طويل للوصول إلى نتائجها، ومن ثم اختيار الوَسائل المناسبة لتنفيذها.
اليوم هناك العديد من الأصوات التي تنادي بأن تكون الخطة الاستراتيجية حاضرة في جميع مشاريعنا المستقبلية سواء كانت صغيرة أم كبيرة، وهناك العديد من الإعلانات التي تمر أمامنا لتنفيذ العديد من الخطط الاستراتيجية! فهل يا ترى هناك إيمان ووعي بأهميتها أم أنها أصبحت موضة تتغنى بها الكثير من المؤسسات؟
ما يحصل اليوم في عالمنا العربي بالتحديد هو سباق محموم إلى أن يكون لدى المنظمة أياً كانت خطة استراتيجية تستطيع من خلالها أن تعلن للملأ أنها تمتلكها كنوع من إيهام الجمهور بأن العمل منظم ومنسق دون أن يكون للخطة أثر على الواقع الفعلي!
المتفحص لبعض الخطط اليوم وإن كانت حبيسة الأدراج إلا أنه يرى عبثاً واضحاً وتعديا صارخا على أساسيات التخطيط الاستراتيجي فبعض الخطط تفتقد للرؤية والرسالة وبعضها للأهداف التفصيلية وبعضها لا تتضمن أي مبادرات أو مؤشرات للأداء بل الأعجب في ذلك إلى أن بعض واضعيها لا يفرق بين الخطة الاستراتيجية والخطة التنفيذية ولا الخطة التشغيلية وفي الأخير تجد أنك أمام مجموعة ورقية مبعثرة تسمى (خطة استراتيجية للمؤسسة الفلانية)!
للأسف الذي يحصل لدينا اليوم في بعض الخطط هو تعبئة قوالب جاهزة قد تكون صالحة لنظام مؤسسة معينة وغير صالحة للتطبيق في مؤسسة أخرى لذا تخرج لدينا خطط، وكأنها روايات قصصية أو معلقات شعرية لا تمت للتخطيط بأي صلة، وهذا ما يجعل لنتائج التخطيط لدينا قيمة متدنية وضعفا واضحا في تحقيق الأهداف المرسومة.
هناك العديد من الأخطاء التي قد تغيب عن ذهن المخطط أو القائد الذي يدير مؤسسته باقتدار ويعتب على عدم تحقيق التخطيط الاستراتيجي لنتائجه المرجوة منه، منها ما يلي:
1 - العمل على خطة العام السابق وإن كانت ناجحة، فالنجاح ليس عذراً لتقديمها من جديد دون النظر في المتغيرات البيئية والمجتمعية والأهداف التفصيلية.
2 - عدم الإيمان التام بأهمية التخطيط سواء كقادة أو فريق عمل وبالتالي من الطبيعي أن تكون الخطة غير مدروسة وتعتريها الكثير من الأسقام والعلل.
3 - الكثير يبني خطته على الوضع الحالي والصحيح أنه يجب العمل مع ما يمكن أن يكون، وليس على ما هو قائم، وكذلك لا يجب أن نترك القيود المفروضة على الواقع الحالي تحدد المستقبل.
4 - المبالغة في أوراق الخطة سواء كانت في الأهداف التفصيلية أو المبادرات، وكلما كانت الخطة سميكة، فكلما كان حظها من الفشل أوفر!
5 - غياب المتابعة في التنفيذ والمتابعة وبالتالي تصبح الخطة تسير بطريقة مهزوزة وعلى ما قيل (بالبركة)!
6 - عدم الدقة في المعلومات والبيانات التي يتم استقاؤها من مصادرها الخاصة إما لجهل بها أو لإهمال من واضعي الخطة!
7 - الاعتماد على جهات خارجية في وضع الخطة.و هذه من الأخطاء الشائعة إذ إنه لا أعرف ولا أقدر من أن يكون فريق التخطيط الداخلي لا يقل عن الـ50% ضمن فريق إعداد الخطة.
8 - الاعتماد على نموذج واحد في التخطيط وهو المشتهر دائماً (نموذج سوات swot) وإهمال العديد من النماذج التخطيط الأخرى مثل (نموذج كوفمان Kaufman Model- نموذج فوج model Fogg - نموذج ستنيمر Steiner،.....) وكلها نماذج قوية ومعمول بها في كثير من الخطط الاستراتيجية.
ختاماً يجب إعادة النظر في الخطط القائمة ومدى فاعليتها وصحة خطواتها وسؤال قادة العمل ومديريه هل هي واجهة تنظيمية تحتاجها ضرورة العمل ومتطلباته أم أنها خطة فعلية الهدف منها تطوير المنظومة والوصول إلى الأهداف المرسومة؟
** **
- أستاذ الإدارة التربوية بجامعة المجمعة