د. محمد بن يحيى الفال
في أقل من سنة على بدء الحرب العراقية الإيرانية المعروفة بحرب الخليج الأولى، والتي اشتعلت نيرانها في الثاني والعشرين من شهر سبتمبر1980، اجتمع زعماء الدول الخليجية في أبو ظبي العاصمة الإماراتية ليعلنوا في الخامس والعشرين من شهر مايو 1981 انطلاق مسيرة العمل الخليجي المشترك، إيمانًا منهم بأن أمن الخليج العربي هو في تعاون دوله في منظومة واحدة للتصدي للمخاطر التي بدأت تلوح في الأفق وأضحي لازمًا التعاون لمواجهاتها. الاتفاق على إنشاء المجلس كان أهم قرار إستراتيجي تم اتخاذه، واتضح صوابه جلياً فيما خلفته الحرب العراقية الإيرانية من دمار هائل أصاب كل من العراق وإيران بمئات الآلاف من الضحايا ومثلهم من الجرحى والأسري وما يقارب من 2 تريليون دولار من الخسائر المادية التي طالت البشر والمدن. بالكاد مرت سنتان على وضع الحرب أوزارها حتى قام العراق بغزو الكويت ليضع منظومة التعاون الخليجي أمام محك حقيقي وخطير نجحت فيه دوله وبمساندة دولية لمواجهة الغزو بكل حزم وعزم مستنيرين بالمصير المشترك لدول المجلس، وهو ما عبَّر عنه الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- في خطابه الشهير حول غزو الكويت بأنه ليس هناك الكويت أو السعودية، بل هما بلد واحد وبأن مصيرهما واحد، مضيفاً -رحمه الله- «إما أن نعيش سوياً أو نموت سوياً»، مؤكدًا -رحمه الله- أن كل مواطن في المملكة يشعر بالمصير المشترك بين كل من المملكة وشقيقتها الكويت.
تجاوزت الكويت الشقيقة كارثة الغزو الذي تعرضت له بعد فضل الله ثم بفضل الموقف الحازم للمملكة وأخوتها في مجلس التعاون الخليجي ومن خلال تعاون دول المجلس وتضامنهم بموقف موحَّد لمواجهة كارثة الغزو، وكانت نتيجته تعاون دولي سياسي وعسكري تحررت الكويت على أثره وتضامنت دول المجلس معها في المجالات كافة، ولتعود الكويت دولة مستقلة ورقماً صعباً ورائداً في منظومة العمل الخليجي المشترك. بالكاد مرَّ عقد من الزمان على عملية تحرير الكويت التي أطلق عليها الخبراء العسكريون مُسمى حرب الخليج الثانية حتى استعرت حرب الخليج الثالثة في مارس 2003، والتي نتج عنها سقوط نظام صدام حسين في العراق وتغول ملالي طهران في كل تفاصيل الشأن العراقي الداخلي. ومنذ ذلك الحين والمنطقة تعيش في أزمات أمنية ما أن تنتهي الواحدة منها حتى تشتعل أخرى.
الغرب بحث ويبحث عن مصالحه في أي اتفاقات من نظام الملالي، وهو الغرب نفسه الذي أطلق للملالي بادئ القول حرية التدخل في الكثير من دول المنطقة، وذلك على حساب أمن واستقرار دول الخليج العربية، ونرى ويري الغرب تدخل الملالي الفاضح في شؤون المنطقة العربية ولا يحركون ساكناً تجاهه، لأنه في المحصلة النهائية يخدم مصالحهم، ولو كان يقوضها لأنهوه بين ليلة وضحاها. عليه فالتجارب السابقة بالتعويل على الغرب في درء الدور التخريبي لملالي طهران في المنطقة العربية أثبتت فشلها وعدم جدواها. والحل هو أخذ زمام المواجهة وعلى كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية من قبل دول منطقة الخليج العربي المتحدة تحت منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية. التجارب التي مرَّ بها أمن الخليج العربي على مدار أربعة عقود شهدت ثلاث حروب كبيرة والحرب في اليمن والأزمة الخليجية تؤكد جميعها بأن التعاون بين دول المجلس هو الخيار الوحيد والقابل للتطبيق من أجل استقرار المنطقة التي تعدُّ أحد أهم مصادر الطاقة في العالم.
لعل ما يدعو للتفاؤل هنا بأن الأزمة الخليجية تم تجاوزها في قمة العلا في شهر ديسمبر المنصرم، ومن المهم هنا البناء على النتائج الإيجابية للقمة، ومن ذلك عودة بناء الثقة بين دول المجلس بقرارات ملموسة للمواطن الخليجي أولاً وللعالم الخارجي ثانياً وللمتربصين بأمن الخليج بداية. مسيرة التعاون الخليجي مهمة لكل دوله ويجب إثراءها وتجاوز العقبات التي اعترضت مسيرتها، ولعل الكثير منا مروا بتجارب على المستوى الشخصي وضحت لهم نجاح المسيرة الخليجية، فهم حين يحلون في المغرب العربي على سبيل المثال يتم تعريفهم بأنهم خليجيون، تعريف يوضح بأن الأشقاء في الخليج تربطهم أواصر علاقات عصيَّة على التفكك ومهما واجهت من عقبات.
في منتصف الثمانيات انطلق أوبريت «أنا الخليجي» للشاعر الكويتي الشهير عبدالطيف البناي والذي عبَّر فيه باقتدار عن شجون أهل الخليج قيادات وشعوبًا نحو بعضهم بعضًا، ومما جاء في ذلك الأوبريت الرائع:
مصيرنا واحد وشعبنا واحد
يعيش يعيش فاليعيش
الله وأكبر ياخليج ضمنا
الله وأكبر ياخليج ضمنا
أنا الخليجي أنا الخليجي
وأفتخر أني خليجي
وأفتخر أني خليجي
مصيرنا واحد وشعبنا واحد
بمثل هذه الروح التي سردها الأوبريت سيكون الخليج قادراً على تجاوز كل الأزمات بقوة وثبات، ولعل أهمها تدخل نظام الملالي الشرس المباشر في أمن المنطقة أو من خلال عملائه وعلى رأس قائمتهم ما يُسمى بحزب الله في لبنان وعصابة الحوثي في اليمن.