أمير بوخمسين
في كتابه أتاتوركية القرن العشرين «سلسلة ملفات تركية» الصادر عن دار حوران للطباعة والنشر- دمشق 2000، يسلط المؤلّف يوسف الجهماني الضوء على الوضع السياسي في تركيا. «بصفته عهدين لنظام واحد متصل منذ أن نجح مصطفى كمال في إعلان الجمهورية التركية، ذات النظام العلماني المسكون بماضي السلطنة العثمانية، والمتطلع للخلاص من إرثها. وقد خلصها أتاتورك من اتفاقية «سيفر» الشبيهة باتفاقية «سايس بيكو»، التي فرضت تقسيم تركيا بين الحلفاء واليونان والأقليات، حيث تم استبدالها باتفاقية «لوزان» التي مسحت آثار سابقتها وفرضت على الحلفاء الاعتراف باستقلال تركيا وسيادتها على أراضيها. يشير المؤلف إلى العهدين بشخصية كل من أتاتورك وأجاويد. لكن اختصار هذه المرحلة الطويلة في شخصيتين يقوم بينهما فارق شاسع، إن من حيث شخصية كل منهما أو من حيث الأوضاع والظروف التاريخية التي عاصرها كل منهما أم من حيث مستوى تطور تركيا والمجتمع التركي في مختلف المجالات، ربما شكل خللاً في بنية الدراسة، رغم ملاحظة الخيوط المتصلة في نسيج النظام التركي، والتي تتمثَّل أكثر ما تتمثَّل في دور الجيش في الشؤون العامة وفي إدارة البلاد، الذي هو على الدوام بمثابة الحكومة الخفية القائمة، وفي العصبية التركية. من الفروق التي قامت في تركيا منذ عهد أتاتورك إلى وقتنا الحاضر هو نمط الديمقراطية التي ربما تفّردت بها تركيا وهي الديمقراطية التي تظل عينها مثّبتة على المؤسسة العسكرية، التي لا تزال تمسك بيدها مسألة حسم الأمور في الأخير. وعلى سبيل المثال فالشعب ينتخب ممثليه إلى البرلمان والبرلمان خلافاً لتلك الإرادة يرفع الحصانة عنهم ويحيلهم على المحاكمة، وتحل المحاكم التركية هذا الحزب نفسه رسمياً باسم آخر وقد يحل مرة وأخرى وهكذا. حتى حزب أتاتورك الذي يقدّسه الأتراك، حزب الشعب الجمهوري حلّه الانقلاب العسكري عام 1980، فعاد تحت اسم حزب اليسار الديمقراطي. في الوقت الذي حقق فيه أتاتورك الخلاص من السلطنة العثمانية التي كانت تشدّ تركيا إلى الوراء، كان يقيم، مثلما هو جار في العالم الثالث، سيطرة الحزب الواحد، والاعتماد على العسكر». بهذه التركيبة السياسية وبهذه المتناقضات التي تتعايش فيها السلطتان الظاهرة والخفيّة، والمجتمع والأحزاب في تركيا، نرى الظاهرة الأردوغانية تشبه الأتاتوركية في أسلوبها الدكتاتوري بغض النظر عن التوجه الأيدلوجي، وهو الذي أدخل تركيا في صرعات محلية وإقليمية أدّت إلى تدهور في علاقاته الخارجية، والداخلية، فعلى الصعيد الخارجي صنع له أعداء كانوا بالأمس أصدقاء، وفي الداخل لعب لعبته الماكرة بمسرحية الانقلاب العسكري، فأعتقل جميع معارضيه ووضعهم في السجون، لكي يستفرد بالقرار وبالكرسي، وهمّش حلفاءه وأصدقاءه في الداخل. كل ذلك باسم الدين، إنها الأتاتوركية نفسها بثوب أردوغاني.