فعلاً ظهر الوجه الحقيقي في أقبح صورة.
ما زلت أتعجب من اهتمام البعض لنظرة المجتمع الغربي لنا.
نعلم أن نطرة الغرب لنا اليوم تراوحت بين الإعجاب والخوف والانبهار، تستكثر علينا ما نحن عليه من تقدم وتميز وتطور، ترغب بالسيادة دائماً في كل شيء، لا تستطيع استيعاب أن بدوي الأمس أصبح أكثر قوةً ومعرفة، مزوداً بكل أدوات التقدم والنجاح والتميز، لديه اكتفاء ذاتي بموارده.
تذكرت الكتاب الرائع (البدو بعيون غربية)، شرفني الأستاذ عمار السنجري -عليه رحمة الله- بإعطائي نسخة منه في معرض الشارقة الدولي للكتاب.
كنت قد أنهيت قراءته حينها على عجالة.
لا أدري ما الرابط بين مروره بذاكراتي الآن والأحداث المزعجة والأخبار المضللة.
بحثت عنه في مكتبتي، وقد مضى وقت طويل منذ 2008 على اقتنائي له.. وجدته بين الأرفف لا غبار طمسه ولا نسيان.
أعدت قراءته، أريد أن أتوصل إلى ما أراد الكاتب قوله.
مع النضج الفكري تختلف القراءة، تصبح أكثر عمقاً وفهماً، وندرك أن الحياة سلسلة من الأحداث المتشابهة، لا تنتهي، ولا تحتاج إلى الكثير من الجهد لمعرفتها، فالأيام تظهر كل شيء، وأن التاريخ لا يموت ولا ينسى.
تحدث المؤلف عن الصورة المنقولة عن البدو والبادية التي وثقها وكتب عنها عدد من الرحالة الغربيين والمستشرقين الذين جابوا الجزيرة العربية، عبر رحلاتهم في القرن التاسع عشر، مرحلة الاستعمار للعالم العربي، بغض النظر عن أهداف رحلاتهم المختلفة، ورغبتهم ونواياهم في البحث والاستكشاف.. كان وما زال سحر صحراء الشرق يجذبهم، لمعرفة تفاصيلها والتعرف على المنطقة وساكنيها.
للأسف، بعض منهم لم يكن منصفاً، كانت نظرتهم إلى منطقة البادية العربية وأهلها غريبةً مجحفة، تصفهم بصفات سيئة بعيدة عنهم، حتى أن بعضهم أضاف تصورات شخصية لا علاقة لها بالحقيقة، وإذا تحدثوا بإيجابية دسوا السم بالعسل بين كلماتهم.
رغم محاولة بعضهم أن يتصفوا بروح الإنصاف تجاهنا، كثير من الكتابات عنا كانت مغلوطة ظالمة، مادة كتبت حسب أهواء كاتبيها ورغباتهم وتوجهاتهم، وربما توجيهاتهم، وذلك ما جعل الكاتب تثور حميته ويخرج بهذا العمل الثري المثري لمعرفة الجانب الآخر.
لست اليوم بصدد عرض لهذا الكتاب، فهو غني عن التعريف، وهو مرجع بحثي قيم.. المسألة هنا أن الإنسان الحر لا يرضى بالإسقاطات الضعيفة الخبيثة، والتضليل المحور حسب المصالح.
رحم الله الملك فيصل بن عبدالعزيز »نحن أصفى من العسل الصافي لمن أراد صداقتنا.. ونحن السُّم الزعاف لمن أراد أن يعكر صفونا».
نحن قوم نترفع عن صغائر الأمور، وتوافه الأفعال والإساءات، نعرض عن السفهاء، نقابل السيئة بالحسنة، الأكاذيب لا تعني لنا شيئاً، لكن لكل شيء حد.