هيفاء بنت فهد المبكي
الفضاء شاسع ويملك الكثير من الممكنات والفرص المُثلى التي من شأنها تحقيق استدامة الدول، والمملكة العربية السعودية بفضل الله من أوائل الدول التي التزمت بخطة التنمية المستدامة لعام 2030م وأدركت أهميتها لما لها من أثر اقتصادي واجتماعي وبيئي لتحسين حياة المواطن بطريقة مستدامة، وهو أيضاً أحد أهداف رؤية المملكة 2030 والتي تستند على ثلاثة محاور وهي: المجتمع الحيوي، والاقتصاد المزدهر، والوطن الطموح والتي تضمنت ثلاثة عشر برنامجاً تنفيذياً تسعى في مجملها إلى تمتع الناس بالسلام والازدهار.
ولقد أدركت قيادتنا الرشيدة ذلك، وصدر الأمر السامي بتكليف وزارة الاقتصاد والتخطيط بمتابعة ملف أهداف التنمية المستدامة، لما لها من ارتباط وثيق مع عدد من الجهات الحكومية ذات العلاقة ولدعمها لتلك الجهات في عمليات التخطيط الاستراتيجي والتنفيذي، عملت الوزارة بالشراكة مع الجهات الحكومية والقطاع الخاص والجمعيات والمؤسسات الأهلية لمواءمة الهياكل المؤسسية للتنفيذ وترتيب الأولويات الوطنية لتنسجم مع أهداف التنمية المستدامة وغاياتها ومؤشراتها، كما عملت على دعم البنى التحتية لمتابعة وتقييم التقدم المحرز نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر.
وضعت المملكة العديد من الاستراتيجيات والخطط التي تعزز أهداف التنمية المستدامة وتسهل تنفيذها، فكيف يدعم الفضاء بما يملكه من ممكنات وفرص مُثلى وتنمية مستدامة تلك الاستراتيجيات والخطط؟ إن قطاع الفضاء هو قطاع ثري وواعد يسعى إلى تحقيق تحول جذري في الأبعاد الثلاثية للتنمية المستدامة: البعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي والبعد البيئي. فلقد أسهمت الأقمار الصناعية التي تطلق في الفضاء في دعم أهداف التنمية المستدامة، فمن خلالها استطاعت المملكة الاستفادة من خدمات رصد الأرض وتحديد المواقع وتأمين الاتصالات.
ويثري قطاع الفضاء قطاعات مختلفة منها قطاع الصحة والذي يُعد أحد أهم وأكبر القطاعات التي تعمل المملكة على تطويرها، فخلال العام الماضي ومع إعلان أول حالة إصابة بفيروس كورونا في المملكة في 2 مارس 2020م، اتخذت المملكة عدداً من الإجراءات الصحية الاحترازية، منها إطلاق الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي بالتعاون مع وزارة الصحة كل من تطبيق توكلنا وتطبيق تباعد لدعم الحد من انتشار فيروس كوفيد، والتي تعتمد بشكل رئيس على تقنيات نظام التتبع الأمريكي (GPS)، نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية بهدف جمع البيانات والمعلومات الجغرافية والذي يتكون من (24) قمراً صناعياً تدور حول الأرض.
ولقد قامت المملكة ببناء الشبكة الوطنية لمحطات الرصد المستمر (KSA-CORS)، بجهود من الهيئة العامة للمساحة والمعلومات الجيومكانية، والتي تتكون من 325 محطة تغطي مختلف مناطق المملكة وتحتوي هذه المحطات على أجهزة استقبال إشارات الأنظمة العالمية والإحداثيات الجغرافية بواسطة الأقمار الصناعية لتحديد المواقع (GNSS/GPS)، وذلك لتحديد المواقع بواسطة الأقمار الصناعية التي تغطي مختلف مناطق المملكة، ولقد استفادت المملكة من تطبيقات تحديد المواقع ورصد الأرض والاتصالات في مجالات عديدة، منها الزراعة، الأبحاث العلمية المتعلقة بدراسة الغلاف الجوي وسطح الأرض، والهندسة، والإنشاءات والتي تسهم جميعها في تحقيق التنمية المستدامة.
كما يعد الفضاء أحد سُبل التنويع الاقتصادي، فمن خلال الأقمار الصناعية التي تطلق تَجني الدول الكثير من الأموال فهو استثمار مجد اقتصادياً. لذا حرصت المملكة على تطوير صناعة الفضاء من خلال تطوير القدرات العلمية والتكنولوجية، وتحفيز الكفاءات السعودية المتخصصة. ولقد قامت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بجهود ظاهرة بهدف تعزيز مكانة المملكة في مجال الفضاء، وتعاونت مع المراكز والهيئات العالمية، وأنشأت معهد بحوث الفضاء والطيران، ومراكز وطنية أخرى متخصصة في مجال تقنيات الطيران والأقمار الصناعية والفلك والجيوديسيا والملاحة، وذلك في سبيل نقل التقنية، وتأسيس البني التحتية المتقدمة، وتطوير الكوادر الوطنية وتأهيلها.
كما أطلقت الهيئة السعودية للفضاء مبادرة استثنائية وتاريخية سعودية بعنوان: اجتماع قادة اقتصاد الفضاء (20Space)، برعاية كريمة من سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للفضاء، وبحضور عشرين رئيس وكالة فضاء دولية. لقد عقد الاجتماع على هامش رئاسة المملكة لمجموعة العشرين في العام 2020م بتنظيم مشترك بين الهيئة والأمانة السعودية لمجموعة العشرين، بهدف تعزيز التعاون في قطاع الفضاء عالمياً وتشكيل آفاق جديدة في الاقتصاد العالمي من خلال تسليط الضوء على الأبعاد الاقتصادية لقطاع الفضاء ومساهماته في دعم السياسات من أجل تحقيق الاستقرار في الاقتصاد العالمي.
حققت المملكة العربية السعودية بتوجيهات من حكومتنا الرشيدة نجاحات ملحوظة في مسيرتها التنموية، فلقد عملت على تحسين جودة حياة مواطنيها من خلال استخدام تكنولوجيا الفضاء وتطوير القدرات العلمية والتكنولوجية لتدعم رقمنة الخدمات الصحية ودعم الصناعات الفضائية لتكون بذلك حققت الهدف رقم (3) الصحة الجيدة والرفاه، والهدف رقم (8) العمل اللائق ونمو الاقتصاد، والهدف رقم (9) الصناعة والابتكار والبنية التحتية.
إن إمكانات الفضاء عديدة وقد يضيق حصرها، لذا اقتصرت على أكثر الأهداف ارتباط بالفضاء من وجهة نظري على الرغم من ارتباط أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر جميعها بالفضاء بشكل مباشر أو غير مباشر.
** **
- الهيئة السعودية للفضاء