حمد بن عبدالله القاضي
من ذا الذي يا عزّ لا يتغيَّر؟.
كثير من الناس يتغيّر خطاب تعاملهم. يبدّلون رؤاهم مع الزمن كما يبدِّلون ملابسهم، والأنكى حين تذوب قيمهم وأخلاقياتهم.. يميلون عنها حين يغادرون أرضهم ووطنهم.
هذا الإنسان أ/ عبدالله بن محمد الناصر هو ذلك الذي عرفته وعرفه محبوه وأصدقاؤه والمتعاملون معه الذي لم يتغير أصالة وقيما رغم أنه عاش أكثر من ربع قرن خارج وطنه.
ظلّ ذلك الإنسان «الأصيل» الذي لم تبدِّله غربة أو يلونه منصب أو تغره شهرة!.
بقي كالنخلة معتزَّاً بأصالته وأرضه وثقافة أمته.
ظلّ عبدالله الناصر أصيلاً حين كان بجوار «سد العلب» بالدرعية، وحين سكن بشارع أكسفورد بلندن.
عبدالله الناصر هو المنتصر بالوفاء لأصدقائه المعتز بالإيفاء لطلابه الممسك بقلمه و»كيبورده» كما خنصر يده.
لم تشغله هموم تربية أو تسرقه أعباء ملحقية عن قيم أو حرف.
ظلَّ كاتباً وروائياً وباحثاً بالتاريخ، ومتغنيا بشعر امرئ القيس والمتنبي ومترنماً بشعر ابن لعبون والقاضي.
حين يتحدث عن تاريخ أمّته ووطنه و»نجده» أو «درعيته».. فهو يتحدث بلسان العاشق الذي شغف قلبَه عشقُ أمجاد حضارته وجبال أرضه ووديان صحرائه!.
لقد قرأ تاريخ وطنه بعينيه تماماً كما قرأه وهو مترجِّل يخطو بين جباله ووديانه يستقرىء نباتاته..
ويعرّف بصخوره. ويستمطق أسرار رمله.
أما عبدالله الناصر الإنسان فهو نمط آخر من الناس يحنو على الضعيف ويمسح تعب الغريب. يوظِّف جاهه ويرخِّص ماله وينذر وقته لصنع الجميل وقضاء حوائج من يلجأ إليه.
تجلَّت إنسانيَّته إبَّان توليه الملحقية الثقافية ببريطانيا سنين طوالا.
تعامل مع آلاف المبتعثين برؤية المربي الحاني وليس الإداري النمطي.
سعى لتطويع النظام ليحقق أمل كل مبتعث من أجل معانقته.
فقد وقف مع كل مبتعث واجهته صعوبات حياتية أو عراقيل دراسية وكاد أن يعود من حيث أتى لولا الله ثم «عبدالله الناصر».
يلجأ له كل طالب ليحل مشكلته.
كان ملاذهم الآمن –بعد الله- يسخِّر النظام لتحقيق طموحات من أرسلتهم قيادتهم لمزيد من المعرفة والعلم. ومن يجلس مع المبتعثين الذين عادوا من بريطانيا يسمع قصصاً ومواقف كلها نبل وأريحية عن تعامله معهم.
كان شعاره: جعل النظام ميسِّرا لاستكمال طموحات وآمال المبتعثين لا سدَّا يقف أمامهم.
وصلت به الشهامة أنه كان إذا ما واجهت أحد منهم عقبة مالية والنظام المالي لا يسمح بالصرف فيدفع من ماله الخاص لإنهاء هذه العقبة التي ستحول دون إكمال المبتعث لمعانقة هدفه. وها هم المبتعثون الذين مهد دروبهم قد عادوا للوطن يملؤون مفاصله إنجازاً وعطاءً.
عندما أراد توديع الملحقية التعليمية بلندن ليعود لوطنه بعد سنين طويلة من الاغتراب من أجل عيون أبناء وطنه كان المبتعثون أوفياء له؛ فعملوا على إصدار»سجل وفاء» عنه واستكتبوا بعض محبيه وشاركت بكلمة عنه جعلوا العنوان الذي وسمتها به عنوان «الكتاب» الذي أصدروه لانطباقه عليه وهو:
«عبدالله الناصر: زرعت العطاء فحصدت الوفاء».
ظل أ/ عبدالله دوماً «أيقونة» تزرع العطاء: تربية، وإدارة، وشورى، وثقافة.
*أحد محبّيه