ـ بالكاد نجح ( ساري ) في الثانوية العامة بتقدير مقبول ولم يعد يرغب الدراسة الجامعية؛ لأنه يعرف في قرارة نفسه أنه لن تقبله أي كلية ، أخذ في النهار يبحث عن عمل لعل وعسى ، وفي الليل يمارس هوايته التمثيل مع فرقة مسرحية ، يدعي أعضاؤها أنهم يقدمون مسرحاً جاداً لجمهور النخبة ، وأن مضامين أعمالهم تتطرق إلى قضايا إنسانية عامة لا علاقة لها بقضايا مجتمعهم الذي يعيشونه ، لذا كانت عروضهم المسرحية مبنية على أفكار وخواطر ومشاعر ليس إلا ، كتبها ساري وأخرجها صديقه ( ضاري ) ومن تمثيل أعضاء الفرقة المسرحية الخاصة بهم ( حادي ، بادي ، غادي ، كادي ، فادي ) يمثلون مسرحياتهم بلغة الجسد ، وهي عبارة عن حركات وتعبيرات وجه أقرب إلى الجمباز والباليه الفني !
ولأنهم لا يملكون المال الكافي لإنتاج عمل مؤثر عاطفياً عند جمهورهم القليل المجاني !! فهم يلجؤون إلى استخدام ضجيج الموسيقى والمؤثرات الصوتية الغربية والغريبة، لسد الثغرات والعيوب في الأداء والكلام ، مع استخدام إضاءات ملونة وخلفيات ديكور من أقمشة سوداء رخيصة الثمن !!
ساري اقترض من البنك بكفالة والده واستأجر دكاناً ليكون مطعم فول ، وطلب من أصحابه أعضاء الفرقة أن يدعموه بتناول الفول من مطعمه ، فكانوا بعد كل بروفة أو عرض مسرحي لهم ، يتجهون لتناول طعام العشاء فول وتوابعه ، وللإقبال الشديد على الفول اضطر ساري إلى فتح فروع له باسم ( فول ساري فول ) مع استمراره في كتابة أفكاره لفرقته المسرحية ، وبذكائه استطاع أن يكون الأول في الفرقة ، ليس في التمثيل والكتابة ، بل في الإدارة والقيادة ، ومع مرور السنين المليئة بالمديح له من قبل أصحابه أعضاء الفرقة ، لقبوه بـ( ساري المسرح ) فأصبح لا يرى إلا نفسه ، وأصحابه كذلك لا يرون إلا أنفسهم ! يهاجمون من ينتقدهم ، يقولون للإعلام نحن نقدم مسرحاً لم ولن يرى الجمهور مثله ، بعد سنوات من الشبع المادي ، أهمل ساري عمله الخاص ( سلسلة مطاعم فول ساري فول ) وسلَّم إدارتها للعامل ( رفيق وصاحبه سديق) مقابل مبلغ من المال يتقاضاه شهرياً ، لكن الفول تعطل مع كورونا وبدأت الخسائر تتوالى على فول ساري فول ، فهداه ذكاؤه تحويل الفول إلى شركة وأقنع أصحابه بمشاركته ، وافق أصحابه ظناً منهم أن الفول ما زال يربح وهم لا يعلمون حقيقة الأمر ، لكنهم اشترطوا تغيير الاسم ، فاتفقوا على اسم ( سلسلة مطاعم أصحاب الفول )، وتحويل الحكاية إلى مسرحية بعنوان ( أصحاب الفول ) عرضوها “أون لاين” بأسلوبهم العبثي المعتاد ، لكن لم يشاهدها أحد والسبب أنهم منذ بدايتهم وهم في تباعد مع الجمهور.
** **
- مشعل الرَّشيد