شريفة الشملان
انتهيت من المقال الماضي بضرورة تهيئة التعليم قدر الإمكان ليعوض الصف، ونعلم أن هذا صعب أمام الخوف من العدوى، هذا الخوف الذي صار رهاباً، وبالتالي أثر كثيراً على الحياة العامة والتعليم خاصة، حيث تكون الكثافة في الصفوف، وما قد يسهل نقل العدوى.
الدراسات في بعض الدول أن الأطفال يعانون من التوتر والقلق، رغم أن ذلك لا يحتاج دراسة، فهذا شيء طبيعي لتغير الوضع من طبيعي إلى غير الطبيعي، وهذا لا يتأثر به الأطفال وحدهم ولكن كل العائلة حتى الأجداد والجدات، فمجرد كونك محجوزاً، شعور لا يخلو من الرهبة التي قد تصل للرهاب. ولقد حدثنا الكثيرون عن محاولة الخروج والتحايل على الأنظمة، بعضها مؤلم وبعضها مضحك جداً، البعض مكلف جداً، خاصة عندما يحصل من خرج على مخالفة كبيرة.. وتخفيفاً سأحكي لكم حكاية العمة حصة التي جهزت القهوة والحلى لتذهب لبيت أخيها الذي تفصلها عنه ثلاثة بيوت، راقبت الوضع جداً، لا حس ولا أثر للدوريات، حملت قهوتها وصحن الحلى، وبعد البيت الأول لاحت السيارة الحكومية، كادت تتراجع، لكن السيارة كانت أسرع، لم تجد أمامها إلا حيلة تنقذها من الغرامة، أشرت للسيارة، فوقف جنبها الشرطي وزميله، وقبل أن يقولا لها (إيش مطلعك يا خالة) بادرتهما، (والله إني أدري أنكم تتعبون وحضرت لكم قهوة وحلى) بألف عافية، وعادت للبيت سريعاً.
لا بد من التفكير في شيء يخفف من آثاره على صغارنا، خاصة المراهقين بما يملكون من طاقة ممكن أن تقلب البيوت لما يشبه ساحات الصراع، وذلك بعمل ما يشبه مجالس مصغرة للحارات، يتم الفحص كل فترة للتأكد من السلامة، مع المراقبة المستمرة، في أغلب الحارات هناك مساحات غير مبنية وغير مستغلة، وأظنها أغلبها تعود للبلدية، ولعلها أصلاً مخصصة لحدائق لم تنجر، لذا هذه فرصة لاستغلالها في لعب الصغار أو عملها أقساماً لأعمال أخرى يتم اختيارها من ذوي الطلبة بمشاركة الشباب في الحارات.
هناك أفكار لا يمكن تنفيذها بالهواء الطلق، منها الموسيقى والرسم وهواية التمثيل، وهذه لا بد لمجالس الأحياء تنفيذها عبر الأماكن المتاحة، عندما نستخدم يكون لنا هدفان معاً، خلق جو جديد ومنع التوتر، والهدف الآخر تشجيع هويات جديدة والكشف عن فتيان يحتاجون إلى حافز يخرج طاقاتهم، ويكشف عن مواهب مخزنة لم تخرج بعد.
إن استغلال المساجد للتدريس بأعداد محدودة، يمكن أن يخفف العبء عن البيت، وعن الأمهات خصوصاً. تحدثني سيدات ثلاثينيات بما يجري في بيوتهن بسبب المنصات، وتعبهن بين صغيرين أو أكثر، مما يجعلهن ذاتهن بحاجة أيضاً إلى رعاية وتوفير سبيل لهن للترفيه عنهن قليلاً.
وأنا قد جهزت المقال بدءًا من يوم الأحد السابع من مارس، فك الحجر وستنطلق الحياة مرة أخرى، نرجو أن تكون عودة حميدة، تتحرك عجلة الاقتصاد من جهة ويتحرك جانب السعادة من جهة أخرى، لكن مشكلتنا الأساسية لم تحل بعد، وهي أهمية عودة المدارس، وأن تفتح أبوابها بطريقة لا ضرر ولا ضرار، وهذه شغلة الوزارة بتخفيف أعداد الطلاب بالفصول ومنع الاكتظاظ حتى لو جعل الدوام على مرحلتين، حتى يحدث الله أمراً، مع استمرار الفحص اليومي للحرارة عند الدخول للفصول، أساتذة وطلبة.
أكرر مرة أخرى أن التعليم المدرسي لا يغني عن مكتسباته شيء، وأن تكلفة العلم مهما بلغت أهون من تكلفة الجهل، والتي قد تقضي على أمة بكاملها..
للوطن دعوات كبيرة وهي تنهض بقوة، أن يستمر هذا العنفوان في قوته واستمراريته التي لا تكتمل إلا بحسن التعليم وتحسينه.
تاريخنا يحدثنا كثيراً بما فعل العلم وما جاء به الجهل.