د. خالد عبدالله الخميس
سُئل أعمى عن مفهوم النور والظلمة فقال: أظنهما شيء واحد، فكوني فاقداً لحاسة البصر ولم أر النور فكيف تريدني أن أفهم الظلام، إذ الاشياء تعرف بمضاداتها، وكذا فالصم مثلاً لا يسمعون فحسب، بل إنهم في الأصل لا يمايزون بين الاشياء التي تصدر صوتاً والأشياء التي لا تصدر صوتاً.
وفي هذا المعنى، قام أحد مواقع التواصل ببعث رسالة لعينات من الصم الذين تمت معالجتهم يسألهم فيها عن أبرز الغرائب التي واجهوها بعد علاجهم وسماعهم لأول مرة، فقال أحدهم: كنت اتوقع أن للثلج حينما يسيح صوتاً مسموعاً، وقال الاخر: كنت أتوقع أن للشمس حين غروبها وشروقها صوت صاخب وزئير.
وقال رابع: ما كنت اتوقع أن يكون لجريان الماء صوت على الاطلاق، فيسبب طربي لصوت خريره أصبحت أجلس أمام الشلال لأستمتع بعذوبة لحنه.
وقال خامس: لم اتوقع أن يصدر تقليب ورق الكتاب صوتاً فريداً لذا فإني أمضي الوقت في تصفح الأوراق مستمتعاً بنغماته.
وقال سادس: لم اتوقع أن للمشي صوتاً فأصبحت أزيد قرع حذائي ليبدو لي الصوت واضحاً ومرتفعاً.
وقال سابع: توقعت أن لجميع الناس والحيوانات نفس الصوت، فذُهلت عندما ميزت صوت الافراد عن بعض ويأتيني دائما فضول عندما أقابل شخصاً، وأتساءل يا ترى كيف يكون عليه نغمة صوته.
وإن كان الصم والعميان يدركون الحقيقة مشوهة في نظر الاسوياء، فكذا الأسوياء أمام كائنات أخرى هم عاجزون حسياً، فعندما يقال هذا ضوء مرئي وهذا ليس بمرئي، فهذه الحقيقة ليست حقيقة مطلقة إلا عند البشر فقط. فنحن نستعين بالكلب لقدرة أنفه على تمييز بعض الروائح، ولدى الثعابين المقدرة على التحسس في الظلام، ليس بأعينها وإنما عبر تحسسها للاشعة تحت الحمراء. وهكذا تعتبرنا كثير من الحيوانات كائنات متخلفة وعاجزة في أجهزة تحسسنا.
وتتضاعف نسبة إعاقة حواسنا إذا علمنا أننا لا ندرك ولا نرى ولا نسمع ولا نشم إلا جزءا يسيرا مما هو حقيقي، فنحن وبقية الكائنات في الاصل عاجزون إلا عن النذر اليسير من عالم الحقيقة، وهذا النذر اليسير يقل عن واحد من ألف من الحقيقة، فعلى مقياس امتداد طيف الموجات الكهرومغناطيسية من موجات الراديو إلى أشعة قاما، فنحن لا ندرك إلا 0.0004% فقط من مثيراتها، أما الباقي فهو في نظرنا في عالم المجاهيل.
وبالجملة، فنحن وإن كنا نظن أننا كائنات واعية، فنحن في حسابات الكون لا نعي إلا نقطة من بحر الحقيقة.
ولزيادة الحيرة، فأنشتاين عندما أبحر من عوالم النسبية الخاصة إلى عوالم النسبية العامة، لم يرد في خلده بأن هنالك بحراً لا شاطئ له وهو النسبية في عالم الوعي Consciousness، الذي استعصى فهم كينونته على كل من دخل في عالمه. وطبقاً لنسبية أنشتاين فالسؤال الذي يطرح نفسه: هل كيان الوعي الذي ندركه يدل على كيان لوعي مختلف؟.