د.بكري معتوق عساس
هذهِ الثلاثيةُ تمثِّلُ مختصرَ رحلةِ الجامعاتِ السعوديةِ منذُ نشأتها إلى وقتنا الحاضر. فقد بدأت الجامعاتُ السعودية في بيئةٍ حديثةِ عهدٍ بالتعليمِ النظاميِّ، تفتقِرُ أطرافُها ونُجُوعُها وبواديها إلى مَحَاضِنِ العلمِ، وينابيعِ الثقافةِ، من أجل ذلك اقتصَرَ دور الجامعات الرياديُّ في بداية المرحلة على (تلقين) الأجيال أنواع المعارف والعلوم بغرض انتشال الوطن من بيئة الجهل إلى بيئة العلم، ومن ظلمة الأمِّيَّةِ إلى نورِ المعرفةِ. وحينَ أصبحَ العلمُ نهراً جارياً في كل بقعة من بقاع مملكتنا الحبيبة، خطتْ الجامعاتُ خطوتَها الثانية من (التلقين) إلى (التكوين)، فقامت بتطوير مناهجها وبرامجها، وأصبحت بذلك مصانع لتخريج شباب الوطن وشاباته، تكرِّس فيهم معنى الواجب الوطنيِّ، وتمنحهم من المهارات والقدرات ما تتكون به شخصيتهم.
وعندما امتلأَ الوطن بالكفاءات الشابة القادرة على العطاءِ، المتسلحةِ بأسباب النجاحِ، خطتْ الجامعاتُ خطوتها الثالثةَ من (التكوينِ) الى (التمكينِ)، فسعَتْ إلى تذليلِ الصعابِ أمام هذه الطاقاتِ الوطنيةِ، لتمكِّن لها في أرض الوطنِ، وتتيحَ لها فرصةَ البناءِ الحقيقيِّ، بناء الذات والمجتمع معاً.
لذلك لم يعدْ دورُ الجامعاتِ السعوديةِ في وقتنا الحاضر مقتصراً على (التلقين) وإنْ كان (التلقين) جزءاً مهماً من التعليم لا يمكن الاستغناء عنه. كما لم يعد دورها مقتصراً على (التكوين) ولو أنها مازالت تكون أجيال المستقبل. فقد أضافت إلى ذينكِ الرُكنين ركناً ثالثاً مهماً هو (التمكين)، وأضافت بذلك إلى أدوارها دوراً جديداً، وإلى أعبائها عبئاً آخر تعلم أنه ثقيلٌ، ولكنه واجبُ المرحلةِ، وفريضةُ الوقتِ. إن سنينَ طويلةً من إهمال (التمكين) والاقتصار على (التكوين) و(التلقين) قد خلقت واقعاً ليس من السهل تغييرهُ في يومٍ وليلةٍ، ولكن من السهل جداً أن نبدأ التغييرِ في يومٍ وليلةٍ، وقد بدأت بعض الجامعات السعودية ولله الحمد في تكوين مخرجاتها كجامعة الملك عبد العزيز بجدة والملك سعود بالرياض وجامعة الأمير عبد الرحمن بن فيصل بالدمام والملك فيصل بالأحساء وجامعة حائل.
وقد وجدت هذه الجامعات الأمل أقرب مما كانت تظن والنجاح أدنى مما كانت تتوقع. والأمل أن تحذو بقية الجامعات السعودية في تكوين مخرجاتها ليكونوا العنصر الأساس بعد توفيق الله في تحقيق الرؤية المستقبلية للمملكة التي هدفها الرئيسي الانتقال من الاعتماد في الدخل المالي للمملكة على الموارد الطبيعية من غاز وبترول وغيرها إلى العنصر البشري، أي الانتقال مما تنتج الأرض إلى ما ينتجه العقل.