د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
في كتابه (العالَمُ ليس عقلًا) الصادر عام 1963م، وهو أول كتاب نشره بعد كتابه التحولي: (هذي هي الأغلال) الصادر عام 1946م، أكّد «القصيمي» أنه لا يقصد بمفردات: «الإله والآلهة» اللهَ سبحانه وتعالى، وبنصِّه: «لا يمكن أن أعني إله الكون وخالقه وواهبنا الحياة والعقل والنور والخيرات الجمة.. كما لا أعني أديان الله وأنبياءَه». وأشار إلى أنه يقصد «الأوهام والأصنام والنظم الاجتماعية المتأخرة..». وقد عاد في كتابه (الكون يحاكم الإله) الصادر عام 1981م فأهداه إلى «إبليس قائد الأحرار وأول الأحرار..»، وكذا شرح نظريته في الوجود والعبودية في آخر مؤلفاته: (يا كلَّ العالم لماذا أتيت؟) الصادر عام 1986م.
** أمرُنا وأمرُه إلى الله جلَّ وعلا، أما الناسُ فما يزالون مختلفين حوله بفعل إنشائياته المطولة المقبلة المدبرة، وحين تخلو الكتابات من «العلمية والمرجعية» فإنها كدروس التعبير الجامدة، في حين تعني العلمية حيازة حقائق ومعلومات، وتستندُ المرجعية إلى تدليل وتعليل واستشهادات، ودون هذين الاشتراطين: (العلمية والمرجعية) فالوعظيات والخطابيات لا تعدو أن تكون إزجاء وقت يُعجب بعضًا ويهمله بعضٌ، ومن شاء مخاطبة المشاعر فيكفيه الشعر، ومن أراد التواصل مع العقل فليكثفْ مرتكزاته المتكئة على استثمار الوعيِ المرسل والتفاعل المقيس.
** هل كان القصيميُّ فيلسوفًا؟ الإجابة تقتضي أن نُجيب قبلًا: كيف ننظر إلى الفلسفة؟ أهي ثرثرةٌ تماثل الإنشائيات العتيقة أم إن خلف استفهاماتها وتحليلاتها رؤىً معرفيةً قابلةً للبحث والتأمل؟ والإجابة خليطٌ من هذا وذاك وَفق الفيلسوف نفسه؛ ففي الفلاسفة من لا تستطيعُ مغادرة مَنطقِه لامتلاء متنه واستناد حواشيه، وفيهم من يملأُ فراغه بفراغاتٍ تزيد خواءَه؛ فهل «لدينا» فلاسفةٌ قادرون على إضاءة المشهد بتعافيهم الذهني وصحتهم النفسية ومقدرتهم على استقراء المعنى لا تكثيف اللفظ؟ والإجابة مهمة كي لا نُلبس عباءةَ الفيلسوف كلَّ من كتب عنها أو حاضر في تأريخها.
** الموضوع لا يقف عند الفلسفة، بل يمتد إلى كل الدراسات النظرية، على أساس أن الدراسات التطبيقية مخلصةٌ للمعادلات، فالزمن التقنيُّ أوجد ساحاتٍ للكتابات التائهة التي تسعى لإرضاء رغبتها بالحضور، وفي زمن التلقي لم يستطع صاحبكم أن يجد في كتب الشيخ عبدالله القصيمي - وهي ملأى - ما يحفزه لأن يراه فيلسوفًا، لكنه وُهبَ الاسترسال، وتابعه آخرون بالاستسهال فسوَّدوا صحائفهم عارفين أو هارفين.
** تجاوز أكثرُ مثقفي المغاربة المعنيين بالفلسفة الإنشائيات فقدَّموا ما يستحق المُباحثة كما صنع «أركون والجابري والعروي وعبدالرحمن»، وبدا أن السياسة استأثرت بمثقفي المشارقة، وهي - بطبيعة تحولاتها - دافعةٌ لتمييع المواقف وتغيرها فاختلطت بأدلجات ولم تنجُ من برمجات، وقلَّ فيهم من التزم منهجًا ينتسبُ إليه، دون أن نُغفلَ جهود «بدوي وزكريا إبراهيم والعظم وتيزيني»، ونتطلع إلى أن يُضاف النور إلى النور - كما تمنى طه عبدالرحمن - لا ليكونا نورين، بل ليمثلا نورًا على نور.
** الإنشاءُ هَباء.