م/ نداء بن عامر الجليدي
المدينة ليست شوارع ومباني صماء، ولكنها عضو حي، يحيا ويموت بحياة وموت المجتمع الذي يعيش فيها. فهي تمثل البُعد المكاني في الرؤية الطموحة؛ إذ يعتبر في حقيقة الأمر هو المحور الرئيس للتنمية والتطور على المديَين القريب أو البعيد؛ إذ قبعت مخصصات البُعد المكاني كأقل مبالغ في ميزانية هذا العام. ولقد تناسينا في السنوات الماضية أن إغفال البعد المكاني من برامج الميزانيات السابقة بالرغم من استشرافنا لها كمخططين قد أدى إلى تركُّز كل الأخطاء في المدن القائمة التي تعاني من داء التضخم والزحام. فالإنفاق الضخم هو الذي سوف يحل معظم المشاكل التي أصابت المدن، وأوصلتها إلى حالة من الشلل التام الذي يتطلب علاجه أمولاً باهظة، تؤثر بالتبعية على قدرة برامج التنمية الاقتصادية الاجتماعية على مر السنين القادمة.
أنا مع أن مكونات البعد المكاني في برامج الميزانية لا بد أن تُبنى على أساس علمي سليم، ويأخذ حقه من العناية والدراسة, فهو ليس رسم خريطة اقتصادية لكل مدينة يوضح عليها مشاريعها كافة، سواء المقامة بمعرفة القطاع العام أو الخاص، أو إضافة مشاريع جديدة ذات أحجام كبيرة كانت أو صغيرة، كما هي النظرة الحالية. ولكن البعد المكاني من الناحية العلمية هو حركة مستمرة، تدفع سكان هذه المدن إلى الحياة في فضاء عمراني مميز، يضاهي أفضل المدن بالعالم. ويعني ذلك أن تنمية المدن لا بد أن تأخذ الأولوية في برامج الميزانية. وأعتقد أن هذا الطرح يتوافق مع بعض الأهداف الاقتصادية التي تعتمد عليها الرؤية الجديدة للمملكة كطرح مدينة لاين وبعض المدن الترفيهية؛ إذ من وجهة نظري هو السبيل الوحيد والمقياس الواضح للعيان على إعطاء مؤشرات أولية لنجاح أهداف الرؤية 2030م.
ويتضح ذلك بتكامل البعد المكاني مع توزيع الاستثمارات بالأسلوب الذي يحقق هذه الغاية.
وبذلك يمكن توجيه المشاريع الجديدة التي يقيمها القطاع العام أو القطاع الخاص على أساس نتائج دراسات الجدوى إلى تحقيق أكبر قدر من أهداف الرؤية أكثر منها تحقيق أكبر قدر من العائد الاقتصادي البحت الذي لا يرافقه تنمية لهذه المدن. من هنا لا بد من إيجاد الصيغة الاقتصادية المتوازنة التي تحكم مواقع المشاريع الجديدة بهذه الميزانية وما تليها من ميزانيات إلى سنة تحقيق الهدف 2030م، فتحقيق أكبر قدر من الإيرادات على المدى الزمني القصير لا بد أن يوازنه على الكفة الثانية تحقيق أكبر قدر من المصروفات لتنمية المدن على المدى الزمني الطويل. هنا يمكن أن يمثل البعد المكاني في الميزانية محورًا مؤثرًا على مستقبل المملكة.. فليس بزيادة الإيرادات من البعد المكاني فقط تُبنى الأمم.