الهادي التليلي
زيارة البابا فرنسيس أو خوخي ماريوبيرجوليو للعراق والتي جاءت في وقت يحتاج فيه العراق للأمن والسلام حتى يستعيد ألقه الحضاري والتنموي كبلد مرت به الحضارات بسلامها ودمويتها ونحتت فيه كياناً حضارياً يعد كتابا للتاريخ ومدرسة للتواصل بين الحضارات، هذا البلد الذي كانت نهاية القرن الماضي فترة حالكة في تاريخه بدأت بحرب الخليج لتصل إلى حروب متعددة على أرض واحدة آخرها الحرب ضد داعش وصولا إلى الحرب الأكثر شراسة وهي الحرب من أجل استعادة الذات بعد التمدد الإيراني الذي خنق البلد واغتصب مساحات تحرره، إنها مرحلة هي الأصعب، لكونها تمس الذات وانعتاقها من المحتل التاريخي في حرب تتعاود رحاها على مدى الأزمنة وفق تسميات متغايرة فمن الفرس والعرب إلى ما بين البلد وداعش والتخارج من عنق الزجاجة رغم التحديات التي تمر بها حكومة الكاظمي التي تثابر من أجل استعادة هيبة الدولة.
البابا فرنسيس الذي انتخب في 2013 والذي يعد أول بابا من خارج أوروبا لأنه من الأرجنتين بالرغم من كونه من أب إيطالي ومن أم أرجنتينية ولكن من أصول إيطالية هذا الراهب الياسوعي الذي اختار لمرحلته شعارات مساندة الفقراء والتزام البساطة والدفاع عن قيم السلام والمعروف بجهوده الإنسانية، اختار زيارة العراق زيارة بعيدة كل البعد على أن تكون سياحية أو دينية إنها زيارة متعددة الأبعاد، ولكن السياق ينسبها في خط واضح بالرغم من محاولات تغليفها برومنسية دينية مسيحية تترجم الراهب إلى ملاك رحمة بين الشعوب وحمامة سلام ترفرف على أي مكان يذهب إليه.
زيارة البابا التي اختار فيها زيارة الأماكن التي تحررت من داعش، وكذلك لقاء مختلف الطوائف الدينية وخاصة الشيعية والتي اعتبرها بعضهم نقطة نهاية في تاريخ دموي جعل العراق كما يقال عنه جثة واحدة والسكاكين كثيرة ويا ليتها وقفت على حد السكاكين حيث جربت فيه كل أنواع الأسلحة واستثمرت فيه مخابر السياسات الجديدة ما يكفي ولا يكفي من إيديولوحيات لقيطة.
زيارة البابا وإن توشحت بشعارات براقة فإنها عند من يرون الواقع بلا نظارات شمسية فإنها صفحة أخرى من التوافق بين الروم والفرس في إطار حوار سياسي يسبق العاصفة ويحاول إخماد حريقها قبل بدايته وهي كذلك رسالة مشفرة ومفاوضات قبل المفاوضات بين الغرب وإيران بخصوص الملف النووي في سياق تهدئة قبل الدخول في المسارات الوعرة السابقة للجلوس على طاولة التفاوض ولكن على أرض غير محايدة تماما لأنها الجثة الواحدة لملتقى المستعمرين في العصر الحديث.
كما أن زيارة البابا وإن دعت للسلام وحرصت عليه من خلال العناوين والشعارات البراقة والجميلة حيث ترفرف الحمامة ويصلي الجميع خلف البابا ويفرش السجاد الأحمر في بلد لم تجف دماء أبنائه بعد يراها بعضهم وهي وجهة نظر تخصهم تماشيا مع الخط الأوبامي الداعي لحوار الأديان وبالتالي تنسيب الزيارة مع وصول الديمقراطيين للسلطة.
المعسكر الديمقراطي الذين اتهمهم ترامب بالمصنعين لداعش فتحت زيارة البابا للجمهوريين من يرون بأن الزيارة الأهم فيها الرسائل الموجهة لداعش بالاستفزاز من خلال زيارة الأماكن التي دمروها مما قد يؤدي حسب بعضهم إلى عودة الدعششة إلى العراق بعد سبات قد يكون أريد له أن يستفيق أوكما وصفها أحد الجمهوريين حقنة الاستفاقة من التخدير بإبرة الديمقراطيين.
زيارة البابا قدمت المسيحية كأم للعالم وقائدة للأديان، والبابا زيارته على قيمتها فإنها جاءت متأخرة بعد أن أرخت الحرب أوزارها وتهدمت مساجد وكنائس ومعابد ومتاحف ومكتبات عريقة وعمقت اليتم العراقي في ظل التغول الإيراني وزيارة السيستاني في بيته كانت لرسائل سيقرؤها العالم في قادم الأيام.