د. فهد صالح عبدالله السلطان
فخامة الرئيس بايدن يسرني أولاً أن أهنئك على الفوز بقيادة هذا البلد العظيم كما يسرني أن أهنئ الشعب الأمريكي العظيم على انتخابك قائداً مخلصاً لهم خلال الفترة الرئاسية القادمة.
واستناداً إلى تاريخك السياسي الكبير وإلى ما عرف عنك من شجاعة وحكمة ورؤية ثاقبة ساهمت في تعزيز دور الولايات المتحدة في تعزيز التنمية والاستقرار العالمي خلال العقود الثلاثة الماضية اسمح لي سيادة الرئيس أن أدعوك بقراءة موضوعية بمشروع بناء علاقة استراتيجية فريدة مع وطني العظيم المملكة العربية السعودية مستنداً في ذلك إلى تاريخ يصل إلى قرابة 100عام منذ أن التقى الملك عبدالعزيز بالرئيس روزفلت واستطاع هذان القائدان الفذان من تأسيس تأصيل علاقة متينة بين البلدين، علاقة استمرت حتى كتابة هذه الرسالة وهي تزداد قوة ورسوخاً.
بداية دعني سيادة الرئيس أن أعترف بأنني لست سياسياً ولا أجيد لغة الساسة، ولست إعلاميا، ولا أفهم فن الإشادة، ولست موظفاً حكوميا فليس لي من غاية، ولكنني نشأت في بيئة أكاديمية مهنية موضوعية تستند في تعليمها الحديث إلى الأكاديمية الأمريكية ممثلة في جامعة بيتسبرغ بنسلفانيا وجامعة نيويورك الحكومية اللتين استقيت منهما جزءاً هاماً من معارفي وتحصيلي العلمي، وقبلها ولدت وتربيت في مجتمع ريفي سعودي عرف بصدقه وصراحته وبعده عن المجاملة والتملق.
ولذلك سيكون حديثي لك حديثاً من القلب، حديث مواطن عادي يدين بوطنيته بهذا البلد الكريم ولمهنيته لبلدك العظيم.
فخامة الرئيس اسمح لي أن أذكرك بأن الشراكة الاستراتيجية هذه تتعلق ببلد فريد بكل ما تحمل كلمة فريد من معنى للتذكير ببعض خصائصه:
1- المملكة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تقود ربع سكان الكرة الأرضية يصلون إليها في اليوم خمس مرات تعيش في قلب كل مسلم وينظر إليها على أنها وطنه الأم، ويفديها بروحه وجسده ولم لن ينافسها أحد حتى نهاية التاريخ، وهذه المكانة الروحية جعلتها لكل الأعراف والثقافات مما جعلها في قلب الحدث تجاه السلام العالمي وهو ما يمثل أحد الأهداف الاستراتيجية للسلام العالمي الذي تنشده الولايات المتحدة الأمريكية.
2 - المملكة تقود مجتمعاً خليجياً وينظر العرب إليها ولقيادتها بالمحبة والاحترام.
3 - المملكة تشهد استقراراً سياسياً فريداً منذ أكثر من مائة عام قد استند إلى ذلك كثير من أعضاء الكونجرس عند اتخاذ قرارات استراتيجية هامة تخص المملكة كالحالة عند بيع طائرات الأواكس في الثمانينيات.
4 - المملكة تحتضن مجتمعاً فريدا يحمل قيماً اجتماعية رائعة ويتميز بالجدية والاستقامة والانضباط وقد أشار إلى ذلك السفير الأمريكي في الثمانينيات عند نهاية فترته عندما سئل عن المملكة فقال: إنه يتمنى تربية أبنائه فيها، مجتمع يرتبط فيه الحاكم والمحكوم برباط الأسرة الواحدة في نموذج لا يدركه كثير من الإعلاميين خارج المملكة.
5 - في الجانب الاقتصادي المملكة تسيطر على ربع احتياطي النفط العالمي، وتضع ذلك كله في خدمة استقرار الأسعار العالمية وهو ما يصب في خدمة كافة الشعوب، كما أن المملكة تحتل مرتبة متقدمة في حجم الصادرات والواردات العالمية (واحدة من أكبر 25 دولة).
6 - على البعد الجغرافي والاستراتيجي، المملكة تحتل مركزاً جغرافياً فريداً، فهي بوابة الشرق والغرب ومحور حركة التجارة العالمي. وقد سخرت هذا الموقع في خدمة حركة الاقتصاد والتجارة العالمية وأنشأت طرقاً وسككاً حديدية وموانئ تصب في خدمة الاقتصاد العالمي.
7 - المملكة بلد مفتوح على ثقافة الآخرين وحضاراتهم وفي تراثنا «الحكمة ضالة المسلم أنى وجدها فهو أولى بها». حالياً، يعيش بيننا ويعمل معنا أكثر من 123 جنسية (بما فيهم أصدقاؤنا الأمريكيون) يشاركوننا في بناء حضارتنا ونقاسمهم خيرات بلدنا.
8 - عرف عن المملكة أنها بلد سلم وسلام عندما سئل أحد رؤساء المنطقة البارزين عن سبب حبه للمملكة أجاب بأنها بلد سلمي ليس لها أطماع خارج حدودها.
وباختصار يكفي أن المملكة تحتضن مكة والظهران، فهنا الروح وهناك الثروة، وفي اجتماعهما الغنى والتمكين والنصرة والسلم والسلام.
وفي الطرف الآخر فإنك فخامة الرئيس تقود بلداً عظيماً بلدا ينتج 42% من الثروة الاقتصادية العالمية، بلد يحتل أقوى ترسانة عسكرية في العالم، وأفضل مراكز بحث وجامعات عالمية، وأكثر المصانع احترافية وأنجع المراكز الطبية على الكرة الأرضية وأكثر مساعدات إنسانية، يقودها حالياً رجل يمتلك كاريزما عالية، وشجاعة مغلفة بالحكمة والهدوء وحب الخير. ولعل استشهادك بحديث النبي محمد- عليه وعلى الأنبياء كلهم الصلاة والتسليم- عن إزالة المنكر في حملتك الانتخابية دليل على ما تتميز به من حكمة وبعد نظر ورسالة للعالم وحب للخير وكراهة للشر والمنكر.
هنا تكمن قوة الشراكة بين هذين القطبين الفريدين، لذلك لعلنا سيادة الرئيس نتجاوز الوقوف عند القضايا الجزئية السلبية إلى الهموم والقضايا الأممية الإيجابية التي تهم الشعبين والشعوب العالمية كافة.
السيد الرئيس لم يكن كتاب الكاتب الأمريكي ريتشارد كارلسون: لا تهتم بصغائر الأمور ليحتل أكثر الكتب مبيعاً في الولايات المتحدة لولا أنه كان متفقاً مع ثقافة وميول الشعب الأمريكي في تجاوز صغائر الأمور إلى همومها.
Don)t sweat the Small Stuff - and it)s all Small stuff. Richard Carlson
السيد الرئيس، كلما أتمناه أن تشارك مع صديقك الملك سلمان - حفظه الله - وبما يحمله من حكمة وحزم - في تعزيز الشراكة الحالية والرقي بها إلى شراكة استراتيجية تاريخية فريدة لا يقتصر أثرها الإيجابي على البلدين فقط، بل يتعداهما إلى العالم بأسره.
فقوة الجميع أكبر من قوة مجموع أجزائه، عندما زار الرئيس كنيدي محطة ناسا الفضائية وجد عند مدخلها عامل نظافة يقوم بغسل الأرضية، سأله الرئيس عن ماذا يعمل فأجاب «نحن زملائي وأنا نعمل على مساعدة الرجل الأمريكي للصعود على سطح القمر». نعم، مشاركة التوجه والعمل الجماعي قوة.
فخامة الرئيس أمامنا فرص تاريخية نادرة لن تتحقق إلا بشراكتنا الاستراتيجية، ففي البعد الاقتصادي - على سبيل المثال فقط - لا أستطيع أن أحصي البرامج الاقتصادية الواعدة التي يتوقع أن تحققها شراكتنا بما في ذلك برامج ومشاريع إعادة إعمار بعض دول المنطقة، نعم شراكتنا ما زالت قائمة ومتينة ولكنها تحتاج إلى إعادة هيكلة لتستجيب لتحديات المرحلة وظروف المنطقة وتحويل التحديات إلى فرص، لعلك تتفق معي أنها فرصة تاريخية لبناء شراكة استراتيجية صلبة مع بلد يحمل خصائص فريدة ويجمع بين حكمة الكبار وطموح الشباب، ربما تكون بصمة تاريخية لكم تضم إلى سجلكم الحافل.
وكمواطن سعودي يحمل هماً أممياً فإنني (هنا، أتحدث عن نفسي) أنتظر بفارغ الصبر هذه الشراكة التي سيكون لها إسهام كبير لا يقتصر مردوده على البلدين فقط بل يتعدى ذلك إلى التنمية البشرية والاستقرار العالمي وتنمية المجتمع الدولي بأسره.
كل التقدير لكم سيادة الرئيس على قراءة رسالتي.
وفق الله الجميع لتحقيق النمو والاستقرار العالمي.