عبده الأسمري
منذ تلك الأيام الأولى التي كنا نتنازع فيها على «المراكز» الأولى في المدارس ونحن قائمون في دوائر «التقييم» ناقمون على مصائر «التعتيم» كبرنا وكبر معنا ذلك الانتظار أمام بوابات القرار وأصحاب الصلاحية ومالكي التوقيع.. ننتظر تقييمنا بإتقان في ظل «توجس» محفوف بالسخط من ظلم «مبرمج» مسبقاً أو سوء تقدير «مقدر» لاحقاً.. وننظر إلى تلك الأرقام والعبارات والقرارات التي نقبلها أو نتقبلها أو نرفضها وفق رضا أوجدته عواقب العرفان وغضب فرضته عقبات النكران.
التقييم مفهوم مرتبط بحياة الإنسان ابتداء من تقييمه لذاته الذي قد يخضع إلى مؤشرات «التحيز» وإلى تأييدات «الانحياز» في حالة العزة بالنفس والاعتزاز بالأنا.. وقد يؤول إلى حتميات «الحق» ونحو ضروريات «الحقائق» في مستوى اليقين بالصدق والإتقان للعدل..
يتعلق التقييم بقرارات محورية ويرتبط باستيفاءات مهنية تجعل الإنسان على موعد مع تكليف أو تعيين أو ثواب أو عقاب أو مسؤولية في اتجاهات الحياة المختلفة سواء على المستوى الشخصي أم العملي.
التقييم «إلهام» شخصي يعيد حسابات «الإنسان» ويرتب مسافات «السلوك» ويوظف احتياطات «النجاة» ويحقق معادلات «السواء» ويشكل اتجاهات «المصير».. لذا فإنه خط فاصل بين الصواب والخطأ وخطوة ثابتة بين انطلاق سابق ووفاق لاحق ليشكل أداة تحدد بوصلة النفس للاتجاه إلى مدارات المستقبل ومسارات الغد..
الأعمال والإنتاج والمسالك خاضعة للتقييم الذي يشكل «هوية» النتائج و»ماهية» الآراء في مسائل العمل ووسائل التنافس في منظومة مستديمة تجعل الإنسان في تعايش مع قيمة عمله ونتيجة فعله في شؤون الحياة ومتون المهمات..
التقييم أمانة تقتضي الإخلاص والشفافية في سبيل تحقيق أعلى درجات الاتزان بين المنتج والنتيجة في تأييد للحيادية وتحييد للذاتية من أجل وضع أسس الموضوعية وتوظيف أصول الحقائق بعيدا عن الاجتهادات الشخصية أو الشخصنة الاجتهادية بين الإنتاج والنتائج..
تراجع التقييم كثيراً في جهات من الواقع وحل التعتيم لينثر مظالم العتمة في مدارج «الضياء» ويبث معالم الغمة في معارج «العطاء» فغادر «الضمير» ساحة «الإنسانية» وحل التزوير في مساحة الأنانية في ظل غياب «الرقابة» وحضور «الرتابة».
عندما غاب «التقييم» العادل الشفاف المبنى على «المتون» والمرفوع بالهمة والمسكون بالمهمة.. توارت معاني «العدالة» وطغت منحنيات «المصالح» فتلاشت معالم «الطرق» المستقيمة الموصلة إلى نهاية «المطاف» المرتجى.. وبات الوصول مقترناً بالاحتيال ومقرونا بالخداع وظلت التعرجات «خارطة» متاحة في أيدي «المتلونين» سلوكاً و»المتغيرين» مسلكاً.. وباتت «الأهداف» في منأى عن الوضوح وتغيب عن «الحقيقة».
التقييم مهمة تقتضي «الوفاء» بأهدافها وتحتم «الاستيفاء» لشروطها. مع ضرورة أن يكون «المقيم» ذا قامة مهنية وصاحب قيمة شخصية.. عليه أن يخرج من عباءة «الذاتية» وأن يتقيد بكفاءة «المهنية» وأن يكون صاحب «هوية فكرية» تحارب وتمقت وترفض «الأهواء الخاصة» حتى نرى «القيم» واضحة والهمم جلية لكي يحل «الإنصاف» رقماً ثابتاً في موازين الرأي ويهزم «الإجحاف» ليبقى عدداً هامشياً في مضامين الرؤية.
التقييم قيمة «معرفية» وهمة «علية» تؤصل الحقوق وتنزع الأباطيل وتفرض «الدلائل» وتؤيد «البراهين» من أجل وضع البشر في مواقعهم وتفصيل النجاح على أدوار البشر وتحديد الكفاح وفق اقتدار الأِشخاص لضمان جودة الأداء وإجادة الدور ووقف كل السلبيات التي تأتي لتكون «ابتلاء» حقيقياً تميز «الثابت» من «المتغير»!!
حلت لعنة «التعتيم» التي صادرت «التقييم» فجاءت النتائج في قالب من التهور ومصير من التدهور الذي طغت فيه «عنجهية» الذات وتوارت عنه «منهجية» الإثبات.. فكانت الخيبة عنواناً بائساً للعديد من التفاصيل المخجلة التي تواردت بفعل «الميل إلى الهواية» و»النكوص نحو الرغبة» بعيداً عن حفظ حقوق الآخرين والاعتراف بفضل الغير..
ما بين التقييم والتعتيم مفارقات وفروقات تظهر فيها «الأصول» وتبقى وسطها «الفصول» في حياة مستمرة وعيش دائم إلى حين فتتوطد أركان «اليقين» وتتلاشى أوهام «التمويه فتقوى العزائم في معسكرات «الأمناء» وفي محافل «الفضلاء» وتحل الهزائم في مرابع «المخطئين» وفي مهاجع «المتجاوزين».