هو واحد من أهم الرواد السعوديين في الثقافة والعلوم والفكر، وهو المعلم التربوي المبجل، وهو المؤرخ المختص واللغوي المحب للعربية، والوطني المخلص، والشاعر الفصيح المتمكن. والمؤلف المتمكن الذي من أهم مؤلفاته: على مائدة الأدب -كلمات متناثرة- شعاع في الأفق.
إنه الأديب والشاعر والمؤرخ المغفور له -بإذن الله تعالى- الشيخ عبدالله الحمد الحقيل. صاحب السيرة والمسيرة العطرة المليئة تماماً بالكثير والكثير من العطاء والمنجزات.. ولا تزال مآثرها مستمرة متدفقة بكل خير.
النشأة
وُلد الشيخ عبدالله الحمد الحقيل في المجمعة سنة 1357هـ في إقليم سدير وسط المملكة العربية السعودية، ونشأ نشأة عربية أصيلة. اكتسب من خلال نشأته مميزات مهمة عدة، كانت مهمة في سيرة حياته.
فقد اكتسب اعتزازه بأمته العربية، وبمخزونها الثقافي الكبير. فقد نشأ منذ صغره في مجالس الأدباء، وتأثر بأدباء كُثر وهو لم يبلغ العاشرة من عمره، من أهمهم الشيخ حمد الحقيل والشيخ عبدالعزيز التويجري والشيخ محمد المقحم. عاش وسط الحراك الأدبي والمسامرات الأدبية فحفظ واستوعب واستمتع بالمعلقات ونونية ابن القيم وحوليات زهير وحماسيات عنترة ومراثي أبي تمام ولامية العرب ومدائح البحتري والمتنبي.. فكانت طفولته طفولة أدبية بامتياز.
كما اكتسب منذ نعومة أظافره حب الوطن والاعتزاز بقيادته الكرام، في مقدمتهم الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل؛ فقد كان والده أحد رجال الملك عبدالعزيز المشاركين في فتح الأحساء سنة 1331هـ حيث أبلى بلاءً حسناً، وأصيب بتلكم المعركة.
كما اكتسب المروءة والشهامة والكرم متأثراً بوالده -رحمهما الله- الذي عمل بالتجارة، وكانت تجارته بين الأحساء والكويت والمجمعة. وقد استقر في دكانه بسوق المجمعة، وظل فاتحاً مجلسه للجميع في جلسة يومية تبدأ من بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس. واستمر على هذه العادة الحميدة طوال ستين عاماً متتالياً. فقد كان مجلسه مقصد زوار المجمعة كافة من حاضرة وبادية. وكان هذا المجلس من المكونات الرئيسية لشخصية الشيخ عبدالله الحمد الحقيل.. فمنه اكتسب حب الكرم ومعرفة جميع طبقات المجتمع، ومنه تعزز انتماؤه لمحبة التاريخ، والتاريخ الشفوي تحديداً، الذي سيكون هو عرابه الأول في المملكة.
فكان هذا المجلس اليومي مصدر إشعاع فكري واجتماعي في شخصية الشيخ عبدالله الحمد الحقيل -رحمه الله-.
إضافة إلى كل هذا فأسرة الشيخ عبدالله الحقيل أسرة علمية وأدبية، وأسرة تحب العلم وتحترم العلماء. فلا عجب أن يشرب الشيخ عبدالله منذ صغره الأدب والعلوم.
التعليم
مر الشيخ عبدالله الحقيل بمراحل متعددة من التعليم، وهي بمنزلة المراحل التاريخية للتعليم السعودي.
فقد بدأ تعليمه في كتاب الشيخ عبدالله العنقري حيث تعلم أبجديات الحرف وقراءة القرآن الكريم، ثم بدأ دراسته النظامية الأولى في المدرسة الابتدائية في المجمعة. ونظراً لنبوغه المتميز تم اختياره لمواصلة دراسته في دار التوحيد في مكة المكرمة، وكان من المتفوقين، وكان من البارعين في الأنشطة اللاصفية التي كان ينظمها دار التوحيد لإبراز طاقات ومواهب الطلاب في مجالات الفكر والثقافة والآداب المتعددة. وهنا كانت تنمو وتقوى مواهب وقدرات الشيخ عبدالله. وانتقل بعد هذا لإكمال دراسته في المعهد العلمي في الرياض فور افتتاحه وكان من البارزين والمتفوقين في المعهد، ثم أكمل دراسته العليا ليتخصص في اللغة العربية.
ثم ابتعث في المركز الإقليمي لتدريب كبار وموظفي التربية والتعليم في بيروت، وهو تابع لليونيسكو ليختلط بعدد من كبار النخب والنوابغ العرب، ليواصل إبداعاته الفكرية والثقافية.
الحياة العلمية
منذ حصوله على الشهادة الابتدائية وهو يرفض العمل، ويرفض الفرص الوظيفية التي تعرض عليه بشكل متتالٍ؛ وذلك نظراً لرغبته في إكمال دراسته.
وبعد تخرجه انضم فوراً للعمل معلماً ثم موجهاً تربوياً. وحين كان يستعد للابتعاث الخارجي، ونظراً لنبوغه وتميزه، رفض وزير المعارف الشيخ حسن آل شيخ الابتعاث ورشحه ليكون المدير والمؤسس لأول ثانوية في المنطقة الوسطى (ثانوية اليمامة في الرياض) وذلك في عام 1381هـ التي كانت بمنزلة الجامعة يومها، وطلابها من مناطق سعودية متعددة. وقاد الشيخ عبدالله الحقيل الثانوية بكل أمانة وإخلاص، وشهد الجميع لهذا التميز والإخلاص، فاهتم بأدق تفاصيل تأسيس الثانوية، وحافظ على قوة مناهجها وتميز معلميها. كما اهتم تماماً بالمناشط اللاصفية فأسس نادياً ثقافياً أسبوعياً، يقدم الكثير من المناشط المسرحية والأدبية والثقافية، وكان هذا النادي حديث مجالس الأدباء والمثقفين.. وبه نظمت فعاليات ثقافية ومسرحية عدة متميزة جداً. وكان هذا النادي من أسباب تنشيط الحراك الثقافي والأدبي والمسرحي السعودي، وبعد سنة ونصف السنة من العمل الجاد والمخلص غادر الشيخ عبدالله الحقيل ثانوية اليمامة بعد مسيرة ناجحة جداً، فكلف أميناً عاماً للمجلس الأعلى لرعاية الآداب والعلوم والفنون، ثم مدير إدارة الكتب والمقررات الدراسية في وزارة المعارف، ثم مدير وحدة البحوث والإحصاء التربوية في وزارة المعارف، ثم مدير وحدة الكتب والمناهج في وزارة المعارف، ثم خبيراً تعليمياً في وزارة المعارف، ثم مستشاراً تعليمياً في مكتب وكيل وزارة المعارف.
وبعد سنوات من العطاء غادر وزارة المعارف إلى دارة الملك عبدالعزيز.
الدارة والمؤرخ
مع مطلع القرن الهجري الخامس عشر، وحين كانت دارة الملك عبدالعزيز تخطو خطوات التأسيس الأولى، وتسعى لاستقطاب الكفاءات المتميزة من أبناء الوطن النوابغ، حتماً كان اختيار المسؤولين في الدارة للشيخ عبدالله الحقيل ليكون أحد الكواكب المهمة في الدارة فكلف فور دخوله الدارة مديراً لإدارة البحوث والنشر، وهي الإدارة التي تضم أهم مرافق الدارة، وهي المكتبة ومركز الوثائق وشؤون الباحثين. وساهم خلال إدارته لهذه الإدارة بالكثير من المنجزات التي لا تزال واضحة للعيان ويشهد الجميع بها.. ثم كلف مديراً لتحرير مجلة الدارة، وهي مجلة علمية محكمه تصدر دورياً.. وبعد 6 سنوات من انضمامه للدارة يصدر الأمر الملكي الكريم بتعيينه أميناً عاماً للدارة وكان أهلاً لثقة ولاة الأمر في هذا التكليف المهم خاصة الأهمية الكبيرة التي تكتسبها دارة الملك عبدالعزيز، وأدى أعماله بالأمانة والإخلاص. وتحقق للدارة الكثير من المنجزات، وعملت الدارة الكثير من الأعمال المهمة خلال تولي الشيخ عبدالله الحقيل لأمانتها العامة. ولعل أبرز الأعمال هي إطلاق ما عرف بمشروع التاريخ الشفوي فالشيخ عبدالله الحقيل هو عرابه الأول في السعودية؛ فقد سعى بشكل جاد لإطلاق هذا المشروع المهم..
وفعلاً أنجزت الدارة تسجيل الآلاف من الساعات مع عدد من كبار السن والمعاصرين لبداية الدولة السعودية الثالثة. تحدثوا عن نواحٍ فكرية وثقافية وسياسية واقتصادية واجتماعية عديدة، وباتت من أهم مصادر التاريخ السعودي الحديث.
اللغة العربية
الشيخ عبدالله الحقيل من عشاق اللغة العربية وأحد أهم الشخصيات الغيورة على العربية؛ وأبرز ما يؤكد ذلك تأليفه كتاب اللغة العربية برؤية تاريخية، وكتاب رفقاً بالفصحى، كما أنه من المنادين الأوائل والمطالبين بافتتاح مجمع للغة العربية في المملكة العربية السعودية. وكان يردد أن وجود المجمع في السعودية هو ضرورة لأن أرض السعودية هي موطن العرب ومنارة للغة العربية، ومن أرضها انطلق العرب شرقاً وغرباً وشمالاً وجوباً. وفي أراضيها كان ميلاد المعلقات وإبداعات الشعراء والأدباء العرب.
كما حرص على أن يكون ضمن وفد المعلمين السعوديين المبتعثين للتعليم في الجزائر لمحاربة الاستعمار الثقافي الذي نشر الفرنسية وحارب العربية، فكان محرضاً وناصحاً للجزائريين بضرورة الاهتمام بشكل كبير وفعال باللغة العربية.
وخلال زيارة الشيخ عبدالله الحقيل مجمع اللغة العربية في القاهرة نظم قصيدة رائعة يقول في مطلعها:
مجمع الخالدين مني سلامٌ
دمت فخراً وقوة ومقاماً
مئول الضد قد أضاءت سراجاً
وأشعت البيان نوراً تماماً
أدب الرحلات:
الشيخ عبدالله الحقيل يعد واحداً من أهم أدباء الرحلات العرب.. فقد ألّف الكثير من الكتب في هذا المجال، منها:
- كتاب رحلات ومشاهدات في ربوع بلادي.
- كتاب رحلات ومشاهدات في الوطن العربي والأندلس.
- كتاب رحلات ومشاهدات سائح في البلاد الأوروبية.
- كتاب رحلات إلى الشرق والغرب.
- كتاب رحلات ومشاهدات في شرق أسيا.
- كتاب رحلة إلى اليابان.
- كتاب من وحي رحلاتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وذكر الشيخ عبدالله الحقيل في كتب رحلاته أن المملكة تمتلك مخزوناً هائلاً من التراث والتاريخ والسياحة في شرقها وغربها وفي كل جهاتها الأصلية والفرعية، وذكر أنها موطن الشعراء والأدباء والرواد الأوائل، وتحدث عن أماكن مهمة جداً في السعودية، تعد من الأماكن ذات الأهمية في التاريخ العالمي، كالأخدود ومدائن صالح وتبوك وبلاد مدين وشعيب.. وذكر أنها رافد مهم للسياحة في المملكة.
وخلال رحلاته المتعددة كانت بلاد الأندلس هي الأقرب إلى نفسه، وبها شاهد عظمة الإرث العربي الهائل الذي خلفه العرب في الأندلس، وكان مصدر إشعاع كبير لكل دول أوروبا، وكانت منطلقهم المهم نحو التمدن والحضارة والعلم. واطلع على المعالم والكتب والآثار التي تركها العرب في الأندلس.
الوطن
لا أحد يختلف أن للوطن وقادته مكانة خاصة جداً في نفس الشيخ عبدالله الحقيل، وساهم كثيراً في خدمة الوطن، خاصة في الأعمال التي كلف بها، وبالمقالات والقصائد التي يكتبها.
ويأتي كتاب (يوم في ذاكرة التاريخ) الذي ألفه الشيخ عبدالله الحقيل كأول كتاب سعودي يتناول اليوم الوطني، وهذه سابقة مهمة جداً. وتناول في هذا الكتاب سيرة الملك عبدالعزيز ومقالات وطنية وأهم الرجال الذين كانوا مع الملك عبدالعزيز وفتوحات الملك عبدالعزيز وما قيل عن الملك عبدالعزيز.
وبعد مسيرة حافلة وعطاء متدفق انتقل الشيخ عبدالله الحقيل إلى رحمة الله تعالى في شهر صفر لسنة 1440هـ.
التكريم
بعد عقود من الزمن متتالية قدم الشيخ عبدالله الحقيل الكثير والكثير لوطنه ولأمته، وبات واحداً من أهم منارات الفكر والإشعاع الثقافي للعرب.
يستحق الشيخ عبدالله الحمد الحقيل تكريماً خاصاً نظير جهوده وعطاءاته المتعددة، بأن يُحفظ تراثه الأدبي والفكري في مركز ثقافي متخصص، وأن يتم طباعة مؤلفاته المخطوطة تحت إشراف الخبراء، وأن يؤسَّس مركز ثقافي باسمه نظراً لمكانته، وأن تعقد ندوات تتناول سيرته ومسيرته وعطاءه الفكري، وأن يطلق اسمه على أحد أهم الشوارع في الرياض وفي مدينة المجمعة مسقط رأسه وموطن أسرته.
** **
عارف العضيلة - الرئيس التنفيذي لدار مصادر الدراسات والبحوث الإعلامية