محمد بن عيسى الكنعان
كان مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي (رحمه الله) في الثاني من شهر أكتوبر لعام 2018م، وتم رفع السرية عن تقرير الاستخبارات الأمريكية الذي يقول إنه يكشف المسؤولين المتورطين بقتله؛ حيث جاء إعلانه للإعلام في 26 فبراير 2021م. هذه المدة بين الحادثة والتقرير التي تزيد عن سنتين وثلاثة أشهر كانت كفيلة بإظهار أصعب الأدلة تعقيدًا وليس أضعفها، التي تثبت -كما يزعمون- علاقة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد (حفظه الله)، مع ذلك ظهر التقرير ضعيفًا في معناه، وهشًا في مبناه، خالياً من أي دليل حقيقي، حافلاً بمفردات الظن وعبارات الاستنتاج المغلوطة من قبيل: «نظن، وربما، ويمكن، وغيرها»!! وهذا يبرهن قوة الموقف الواضح، والتحدي الجازم لصاحب السمو ولي العهد، عندما طالب في مقابلة تلفزيونية مع إحدى القنوات الأمريكية قبل أكثر من سنة بكشف التقرير إن كانوا يملكون أدلة أو معلومات خلاف ما أعلنته حكومة المملكة.
كما أن التقرير الاستخباراتي الذي ولد ميتًا يؤكد وجهة النظر التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، وفي ضوئها منعت كشف التقرير؛ لأنه يضعها في موقف محرج أمام العالم؛ نظرًا لضعف محتوى التقرير، وعدم وجود أدلة فعلية وقرائن حقيقية، ولا يرقى إلى أن يكون تقريرًا استخباراتيًا يمثل أحد أهم الأجهزة الاستخباراتية بالعالم، وهذا ما أكده وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو، الذي انتقد بشدة كشف التقرير من قبل إدارة بايدن، وأنه يُضر بالعلاقات الأمريكية السعودية.
كل ذلك يُفسر الحرب النفسية ضد المملكة وقيادتها ممثلةً بصاحب السمو ولي العهد، التي كان شنّها الإعلام المعادي للمملكة، سواء داخل أمريكا أو في منطقتنا، وبدعم من الدوائر السياسية في الولايات المتحدة المتحالفة مع بعض الديمقراطيين، وفي بعض دول المنطقة، وذلك خلال السنتين الماضيتين تحت ذريعة التقرير والتخويف من محتوياته وأدلته. واليوم مع كشف التقرير انتهت هذه الحرب إلى فشل ذريع، بل فقد التقرير قيمته السياسية مهما كانت درجتها، التي كانت تراهن عليه إدارة بايدن لاستخدامه ورقة ابتزاز سياسي، وكما علّق أحد السياسيين السعوديين بأننا نشكر هذه الإدارة؛ لأنها كشفت محتوى هذا التقرير ومعه كشفت عواره وضعفه وهشاشته، ولا شك أن ذلك يذكرنا بالتقرير الاستخباراتي الأكذوبة حول أسلحة الدمار الشامل في العراق، التي كانت سببًا في غزوه وتدميره العام 2004م.
لأجل ذلك وغيره علينا دومًا أن نلتف حول قيادتنا، ونثق بدولتنا، وندعم حكومتنا في كل القضايا والأزمات الإقليمية والدولية، فلسنا جمهورية موز، أو دولة هامشية، أو صغيرة التأثير، بل دولة كبيرة في المنطقة، وهي العمق الخليجي، والدولة المحورية لكل العرب، ومركز العالم الإسلامي وقلبه النابض. والتحالف أو الصداقة مع الولايات المتحدة لا يعني قبول أكاذيبها أو السكوت على تقاريرها السلبية.