عطية محمد عطية عقيلان
يسعى الإنسان طيلة حياته أن يفر من الفقر، لذلك تراه يبذل وقته ويبحث ويتعلم ويكتسب مهارات من أجل الحصول على ما يغنيه أو يجعله متعففاً عن حاجة الناس، إلا أن بعض الأمنيات «الفانتازية» التي تظهر فضل ومزايا بعض الصعاب أو المصائب كالفقر تجمح كثيراً في رؤيته كصفة إيجابية تمنع حدوث ضرر أكبر منه، هذه المقدمة لقصة وحوار جميل وطريف جرى داخل سيارة بين رجل ووالد زوجته، بحضور زوجة الأخير، فسألته: يا خال ما ودك بالزواج بثانية، ولم تعطه أم صالح فرصة للجواب، وقالت بعفوية: أكيد وده، وهو مو قليل شر لكن الدريهمات قليلة وما تساعده، لتنهي كلامها بالدعاء للفقر «جعل الفقر للجنة» لحظتها انطلقت الضحكات داخل السيارة من أبوصالح من التعجب من هذا الدعاء العجيب الغريب للفقر، فقط لأنه منعه من الزواج من أخرى، ليكون الفقر ميزة نظرت إليه بايجابية ساهم في استقرار حياتها دون ضره ومشاكلها، وعلى نفس المنوال كانت أبيات الإمام الشافعي -رحمه الله- تدل على نفس الفكرة من شكر أو الإيجابية لبعض الصعاب، فيقول:
جزى الله الشدائد كل خير
وإن كانت تغصصني بريقي
وما شكري لها حمداً ولكن
عرفت بها عدوي من صديقي
لذا من المفيد في حياتنا تطويع ما نمر به من محن أو مصائب أو شدائد أو أحوال وتحويلها إلى دوافع تحفيزية نستفيد من أثرها لتجنب تكرارها والحد من تأثيرها علينا، مع أهمية استشعار الشكر وتقدير النعم التي تحيط بنا، وكانت تجربة جائحة كوفيد 19 في عام 2020 وبداية 2021م وما حدث من توقف كثير من الأنشطة والفعاليات كالسفر والتعليم عن قرب والاجتماعات الكبيرة والمناسبات المتعددة، فرغم تذمرنا منها في الماضي بتزاحم الأشغال والحياة والتشكي من كثرة الارتباطات والاجتماعات، جاءت هذه الجائحة العالمية رغم جوانبها المؤلمة لتعرفنا بحجم النِعم التي كنا نعيشها ونعتبرها من المسلمات أو الأشياء الطبيعية التي لا متعة فيها، ليصبح واقع الحال كما حدث مع الإمام الشافعي، أو هذه الزوجة، لنشكر كورونا للتبيان والإحساس والاستمتاع بالنعم التي كانت تحيط بنا دون تقدير أو رضا عنها وسط تذمر وتشكٍّ، علماً بأن الكثير من الناس أمنيتهم أن تعود الحياة كما كانت قبل جائحة كورونا لاكتشافهم أنها كانت جميلة وممتعة، ولكن كان ينقصها الشكر والاستمتاع بها، بعيداً عن التحلطم والتذمر والبحث عن المنغصات فقط.
نرجو أن نستفيد من العبر والقصص التي نقرأها أو نشاهدها أو نعايشها بأن تكون دافعاً لنا لتحقيق أمرين مهمين في حياتنا؛ أولاً الاستمتاع باللحظات التي نعيشها في حياتنا وفق الإمكانات والظروف والأحوال التي تمر بنا، دون تأجيل لوقت قد لا نكون حاضرين فيه، وثانيها أن نسعى دوماً لتطوير وتبديل حياتنا للأفضل بالعمل والجهد والمثابرة والالتزام، وتجنب الشكوى والبحث عن مبررات لفشلنا وسقوطنا.
طبعاً مع إيماني بعدم تمني حدوث ما يعكر صفو حياتنا أو يكشف من حولنا، فليس هناك أي متعة في تلقي الصدمات وخيبات الأمل من الأبناء والأصدقاء والأقارب، بل لتكون دعواتنا وأمنياتنا أن تمر حياتنا دون حاجة واختبار لهم، بل أحسن الظن وخفف التوقعات، لتنعم بعلاقة سوية ومريحة وطبيعية بعيداً عن المثالية الزائفة والخيالية.
وأختم بمقولة جميلة لتشي جيفار الذي كان يقول «إن الفقر ليس عيباً.. وأراد أن يكمل: بل جريمة، ولكن الأغنياء قاطعوه بالتصفيق الحار».