إيمان الدبيّان
عمّت ولم تَخُص، شَمِلت وكثيرٌ يتمنى لو منها يَقتَص، داهمتْ غنياً وفقيراً، أرعبتْ كبيراً وصغيراً، حرَمت الكُلَّ من متعهم، وضيقتْ على الجميع حرياتهم، لم يفعل شيء في عصر البشرية الحاضر كما فعلت بالعالم جائحة كورونا؛ ولكن السؤال الذي لا يغيب والاستفهام العجيب هو: بماذا خرجنا من فوائد بسببها؟ وبأي شيء سنتعظ بعدها؟، فلا شيء يمر بنا عبثاً، ولا قَدَرٌ يحلُّ بنا لا نأخذ منه درساً، هل هذه الجائحة أيقظت قلوباً قاسية، وضمائر ظالمة؟! فأخبرت الغارقين بظلمهم، المتجاوزين حدودهم، المتطاولين ببطشهم كل من لا يستجيب لشرورهم، هل أعلمتهم أن الإنسانَ ضعيفٌ مهما تجبّر، ولن يفيده ماله أمام الأقدار، وانتصار الحق مهما منه استكثر؟!
هل أطلق هذا الفيروس المخفي أجنحة حَمَامِ السلام في دواخل نفوس مريضة بالحقد والحسد حتى مع أخوتهم، وأهلهم، وأقرب الناس لهم، وهمس لهم مع هديلها بأن الحياة قصيرة، جميلة، وأن الأرزاق باختلافها لا تمنعها حيلة البشر بأي وسيلة؟!
هل أصاب قَذَى مَشَاهد المرضى والموتى بها عيوناً فارغة تلهث مسعورة لتقتنص سيئاً، ولا ترى حسناً، تنظر لمتعة هذا، وجمال هذه، وتسعى لزوالها وتتمنى خرابها؟!
هل جعلنا الخوف من الإصابة بهذا الوباء المقيت ندرك أن الفرح ليس بالمبالغات الاجتماعية تنظيماً، ولا السعادة بحشد أكبر التجمعات بهرجة وتطبيلاً؟!
هل أيقن الآباء والأمهات أن الجلوس في الدُّورِ خشية فيروس بعدواه ينتشر، ويدور جعل الأُسَرَ أقرب، والاجتماع حول مائدة المنزل أحب، واستماع الأبناء بكل تفاصيلهم هو للألفة أجذب؟!
أاقتنع الناس أن دولتنا حافظت علينا كدر ثمين وألماس؟! أمنتنا بعد الله، اقتصاداً، وصحة، وتعليماً، فزدنا مكانة، واعتلينا، ونَعِمْنا بحياتنا وتهنَّينَا؟!
كم نظرة ونظرة لأمور كثيرة لزاماً تغيرت، وكم من عِبرة وعِبرة حتماً تحققت لدى عاقل، ولبيب، وعند كل من يفهم أن الحياة بلا حب وأمان ولو امتلأت كنوزاً لا يمكن أن تطيب.