فعلاً وحقيقة وواقع فهذه قصة حقيقة وليست من الخيال أو حكايات ليل وقصص ألف ليلة وليلة، فصحوة ضمير مستتر بعد سنوات من الغياب جاوزت عشر من السنوات حدثت حقيقة وواقعاً بين زملاء عمل في إحدى محافظات المملكة، حيث تفاجأ أحد المواطنين بطل هذه القصة الغريبة الحدوث والنادرة بوجود ظرف موضوع له في سيارته ولما فتح الظرف وجد فيه مبلغ مالي بخس عبارة عن ثلاثمائة ريال وفيه أيضاً ورقة اعتذار وتأسف وطلب إبراء ذمة حيث كتب في الخطاب أرجوك سامحني فهذا مبلغ مالي قد اختلسته منك منذ عشر سنوات تقريباً والآن أرجع لك المبلغ وأطالبكم بالسماح لوجه الله سبحانه وأبري ذمتي أمام الله فسامحني حفظك الله وأطال عمرك، وانتهى الخطاب بكلمات قليلة وموجزة ولكنها بمعنى كبير يقشعر بكلماته البدن ويقف الإنسان احترامًا لهذا التائب داعياً له بالتثبيت والغفران رغم أنه لم يذكر اسمه أو يشير إليه بفعل أو مكان، وقف مندهشاً راوي القصة وبطلها يتذكر وسط ذهول واستغراب من هذا الخطاب وكاتبه المختلس التائب فمن يكون ومتى حدث ذلك وكيف حدث ذلك عصف بذهنه وبأفكاره إلى ذاك الزمن البعيد لعل وعسى يتذكر من يكون هذا التائب ويذكر المبلغ ولكنه للأسف لم يذكر شيئًا لا الزميل الذي اختلسه ولا المبلغ الذي فقد منه، فالزمان بعيد والأحداث كثيرة والمبلغ بسيط وليس كثيراً حتى يفقد ويكون له تأثير فلم يتذكر شيء أبداً. ولكن صاحب الضمير الحي ما زال يتذكر ويعذبه ضميره على فعلته حتى هداه الله إلى الفعل الصحيح والواجب فعله، هكذا انتهت القصة لتكون لأصحاب الضمائر رسالة نستلهم منها كثيراً من العبر ولتكون لنا درساً ونصيحة حية وعبرة لمن يعتبر وله ضمير مستتر أو غائب نائم أو صاحي.
فهل آن الأوان لكي يصحو الضمير الإنساني عند البعض ويعتدل ويكون ضميراً واضحاً بدلًا من ضمير مستتر مكسور ومجرور بالمعاصي والحرام بأكل أموال الناس بالباطل وغيرها، فالحياة خبرات متراكمة نعتبر منها ونستفيد.
فشكرًا من القلب لمن صحى ضميره وأرجع الحق لأصحابه مهما كان المبلغ ولو كان مبلغاً بخساً ولا يكاد يذكر أو يغني من جوع وفقر، فصحوة الضمير تدل على صفاء القلب والإيمان بأن ما عند الله خير وأبقى وأنقى وأن الله يعلم السر وأخفى ولو كان مثقال ذرة.
وشكرًا لكاتب الخطاب التائب الذي صحى ضميره بعد غفوة عشر سنوات وعلى مبلغ زهيد.
ولكن كم وكم مختلس بالملايين لم يصحو ضميره بعد، وكم موظف غاش وكم من ظالم ظلم وكم من مغتاب ونمام اختلس أعراض الناس.
وكم من تاجر طفف في المكيال ورفع الأسعار، وكم من مقاول اختلس ولم يراع المواصفات والمقاييس والشروط المتفق عليها.
أين الضمير بل أين الضمائر هل كلها مستترة أو ميتة، أما حان لها أن تصحو وتحاسب نفسها قبل أن تحاسب في الدنيا أو في يوم لا ينفع فيه المال ولو كان كمال قارون.
فكل إنسان على نفسه بصير وسيحاسب لوحده على ما جنت يداه ووضع بكتابه.
إنها صحوة ضمير معبرة فهل تصحو معها الضمائر، وترد للناس حقوقها فيكفينا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» فهل من معتبر قبل أن يلقى في وادي الويل في جهنم، فهذه رسالة موجهة في خطاب مختلس تائب لمن في قلبه ضمير يشعر ويعتبر، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ولا تفسدوا في الأرض أو تأكلوا الأموال وتختلسوا الأمانة التي تحملتموها في عملكم، فالدولة أعزها الله تحارب الفساد بكل أشكاله وصفاته والله رقيب لا تخفى عليه خافيه، فهنيئاً لأصحاب الضمائر التي تعود بصاحبها إلى الصواب.
** **
lewefe@hotmail.com