إلهام الشهراني
هناك عباراتٌ استخلصتها بعض العقول التي شربت من معين القرآن الكريم، حيث يقول أحد العلماء: «العبد ذو ضجر، والرب ذو قدر، والدهر ذو دول، والرزق مقسوم، والخير أجمع فيما اختاره خالقنا، وفي اختيار سواه اللوم والشؤم».
إن الرضا بالقدر خيره وشره ثمرة الإيمان في القلوب، بل يملؤها سعادة وسروراً، ويضفي عليها الاطمئنان، ويلبس النفس السكينة والوقار. إن الرضا نعمة إلهية يهبها الله لمن شاء، وهي راحة النفس بها تعتبر جنة الدنيا، ومن النعيم العاجل، وهي منزلة أعلى من منزلة الصبر.
ويتمثل الرضا في القناعة التامة يأن الدنيا معبر ودار اختبار، وأن ميزان الله عادل بين عباده فيما قسمه بينهم من أرزاق وأقدار دنيوية بحكمته، فجميع الأقدار تدور في دائرة ثابتة: (ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، وأمره بين الكاف والنون)، وقد عبَّر القرآن عن ذلك بقول الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.
فلا يستطيع أن يرد أمر الله قوي بقوته، ولا قائد بجنوده، ولا فطين بحذره، وأقدار الله على العباد لا تُعد ولا تُحصى، وما بين بداية عام ونهايته كم فرد يموت، وكم متعافٍ يسقم، وكم عزيز يُذل، وكم فقير يغتني، وكم غني يفتقر، ما كان يظن أصحابها أنها نصيبهم فأصابتهم بين عشية وضحاها.
وعندما يفكر الفرد المسلم في قضاء الله وقدره عليه بذاته ربما لا يستطيع أن يحصي لحظات شعر فيها بحزن أو هَم، ولحظات استبشر فيها وابتهج مراراً وتكراراً، حيث ضاقت عليه الدنيا برحابها ثم فُرجت، وفي هذا المعنى يقول الشافعي -رحمه الله-:
ضاقت فلما استحكمت حلقاتُها
فُرجت وكنت أظنها لا تُفرج
حدثتني صديقة مرت بأزمات دنيوية، وبالتحديد في أمور مالية، وسقم بجسدها، وخيبة أمل في حياتها، وأغلقت جميع أبواب الدنيا واستحكمت في وجهها، ولم تجد من البشر من يمد إليها شراع الأمل كي تنجو من الغرق، بل كان هناك من استهزأ بها ليقطع باب الرجاء، ومن لبس ثوب المراوغة عليها لتموت زهرة الأمل بقلبها، ومن أدار ظهره كبرياء عنها، فرضيت بما قدَّر الله وتضرَّعت إليه سبحانه وتعالى، ففرَّج الكروب عنها وأخرجها من المحنة وغمرتها راحة البال، واستبشرت بالشفاء، فتعلمت مما حدث دروساً تتلخص في الرضا بما قدَّره الله، واللجوء إليه، وطرق باب الدعاء والتضرع، فالله رحيم كريم يسمع أنَّات الخاشعين، وفي ذلك يقول ابن القيم: (الله يبتلي عبده ليسمع شكواه وتضرعه ودعاءه، وقد ذم سبحانه من لم يتضرع إليه ولم يستكن له وقت البلاء)، ويصف الله صنفاً من عباده لا يعتبر بالمصائب والأزمات فيقول سبحانه: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}.
وفي السياق ذاته: ما يصيب العباد مقدَّرٌ ومكتوب في كتاب مبين لا تبديل ولا تغيير فيه لقوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا}.
ولحكمةٍ يريدها الله سبحانه وتعالى تُساق المقادير على العباد، فيفوز الراضون بما قسمه الله تعالى بالأجر والثواب، فيشكرون عند السراء ويصبرون عند الضراء، لذلك ريحان الأنفس الزكية، والسخط يجلب الشقاء والحزن المقيت على ما فات والخشية مما هو آت.
كلمة أخيرة:
على المسلم أن يتحلى بالرضا بما كتبه الله له، ويسلك أمره لله، وإن كان ما أصابه موجع، مع التوكل عليه محبة وطواعية، ويتيقن أن الله لا يقضى لعباده إلا الخير، وأن الأزمات والمواقف يستطيع أن يجعلها شمعة تضيء طريقه بالحياة، يقول النبي - عليه الصلاة والسلام -: «والذي نفسي بيده، لا يقضي الله لمؤمن قضاء إلا كان خيراً له».