«الجزيرة» - المحليات:
تُعَدُّ الطائف من أقدم المدن التي تم استيطانها في الجزيرة العربية، وقد عُرفت في كتب التاريخ بأنها ثالث المدن الحضرية قبل الإسلام بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث يمتد تاريخها إلى أكثر من ألفي عام, وقد أكسبها موقعها ومركزها الحضاري في العصر الجاهلي سمعة واسعة وجعلها مركزًا تجاريًا بين بلاد الروم والفرس والحبشة واليمن والشام. وتضم مدينة الطائف العديد من المواقع الأثرية التي تحكي عراقة وتاريخ وماضي هذه المدينة والتي تثبت أن لهذه البقعة تاريخًا عظيمًا وحضارة باسقة منذ القدم.
سوق عكاظ
يعتبر سوق عكاظ أكبر أسواق العرب في الجاهلية والإسلام، وهو أشهر ملتقى للتجارة والفكر والأدب والثقافة المتنوعة للقبائل العربية، والوافدين إلى السوق من أنحاء الجزيرة العربية، يحضره فحول الشعراء، والخطباء، والأدباء، ويمارس فيه رواد السوق الألعاب الرياضية ومنها الفروسية والعدو والرمي. كان للعرب أسواق موسمية في أوقات محددة في مواقع مختلفة في أنحاء الجزيرة العربية. وتجمع المصادر التاريخية والأدبية، على أن تاريخ بداية سوق عكاظ كان في حدود عام 501 للميلاد، أي قبل ظهور الإسلام بقرن من الزمان، كما أن سوق عكاظ ارتبط بنشأة الرسول صلى الله عليه وسلم، ونشر الإسلام بين قبائل العرب، والدعوة لدين الله.
قصر مشرفة الأثري
يعود تاريخ قصر مشرفة الأثري الواقع شمال سوق عكاظ لفترة العصر الإسلامي المبكر، وبينت الدراسات أن المنطقة لم تخل من دلائل الاستيطان لفترة ما قبل التاريخ؛ حيث وُجد في الجنوب من سوق عكاظ بحوالي 5كم، مرتفعان جبليان يربط بينهما أساس جدار بطول 300م، وعرض 2م، وفوق قمة كل مرتفع مجموعة من الركامات الحجرية، كما عُثر على ملتقطات سطحية عبارة عن شظايا من حجر الصوان، تظهر على بعضها آثار تقنية التصنيع.
وسجلت أعمال المسح الأثري عدداً من مواقع الرسوم الصخرية، حيث سُجّلت أعداد كبيرة من الرسوم الآدمية والحيوانية، منها: مناظر معارك بالقوس والسهم، ومناظر لصيد الوعول باستخدام كلاب الصيد، وأعداد كثيرة لرسوم الإنسان، ورسوم أبقار بقرون متجهة إلى الأمام، ورسوم الوسوم المختلفة الأشكال.
آثار العرفاء
تعد جبال العرفاء المجاورة لسوق عكاظ شرق الطائف من المواقع الأثرية المهمة، حيث تعتبر من أكبر مواقع النقوش الصخرية التي تضم بعض الرسوم الحيوانية مثل الماعز والغزلان ورسوم حيوانية أخرى تعود إلى مرحلة ما قبل الألف الثاني ق . م كما يوجد نقوش ثمودية وكتابات كوفية.
ومنطقة العرفاء هي امتداد لمنطقة سوق عكاظ الجغرافية من الناحية الشمالية، وسجلت أعمال المسح الأثري عدداً من مواقع الرسوم الصخرية، حيث سُجّلت أعداد كبيرة من الرسوم الآدمية والحيوانية، منها: مناظر معارك بالقوس والسهم، ومناظر لصيد الوعول باستخدام كلاب الصيد، وأعداد كثيرة لرسوم الإنسان، ورسوم أبقار بقرون متجهة إلى الأمام، ورسوم الوسوم المختلفة الأشكال.
سدود الطائف
تضم الطائف سلسلة من المواقع الأثرية والتاريخية ومنها السدود الأثرية التي اشتهرت بها الطائف نظرًا لكثرة أوديتها وبساتينها واعتمادها على مياه الأمطار. ولأن الزراعة تمثل المهنة الأولى لسكان الطائف، فقد كان بها أكثر من (70) سداً تاريخياً بُنيت في عصور مختلفة من قبل الإسلام إلى عصر صدر الإسلام والخلفاء الراشدين، مروراً بعهد الدولة الأموية والعباسية والفاطمية، وما زال منها أكثر من (20) سداً قائماً، في أطر معمارية مختلفة وتصاميم هندسية فريدة، منها ما هو مؤرخ بناءه بلوح تأسيسي نقش على الصخر ليبقى شاهداً على إنشائة لعصور طويلة. ومن أبرزها:
سد سيسد الأثري: والذي أنشئ في عهد معاوية بن أبي سفيان، وتم ترميمه وتنظيف حوضه مما ساعد على حجز كميات كبيرة من مياه الأمطار داخله، ويقع السد داخل متنزه الطائف الوطني.
سد دغبج: وهو سد قديم على وادي مسيل في حمى النمور من شمالي الهدة بينها وبين الشرقة والشريف ولم يتبقّ منه سوى رسوم قليلة.
سد الدرويش: وهو أكبر سد في وادي عرضة يقع في أسفل الوادي عند التحامه مع وادي قريقير، والسد يتجه من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي ويحتجز المياه في متسع كبير خلفه به مزارع وأشجار معمرة، والسد متهدم من منتصفه والمتبقي بطول 50 مترًا وارتفاعها 9.8 متر، وهو مشيد بصخور كبيرة من وجهيه مع حشوة من الحصى في المنتصف.
سد ثعلبة: الذي شيد في وادٍ ضيق على بعد نحو 7 كيلومترات من الطائف، وقد بُني من كتل الأحجار على شكل مربع ملأت الأسوار الموازية بالحصى والصخور الصغيرة.
سد السملقي: في وادي ثمالة، ويرجع تاريخ بنائه إلى عهد معاوية بن أبي سفيان، ويدل نقش تاريخي بصخرة على جانب السد على صحة ذلك حيث يقول نصه: «أمر ببنائه عمرو بن العاص بأمر أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان»، ويتميز هذا السد الأثري بحجم صخوره الضخم الذي بُني منه السد وهندسته الرفيعة، ويوجد أيضاً سد ثلبة على طريق الهدا، وسد قرن بالقرب من مزارع رحاب وغيرها الكثير من السدود القديمة والبرك الأثرية.
سد معاوية أو ما يعرف (بسد سيسد): الواقع على بعد 12 كلم جنوب شرق الطائف، ويعد أحد أشهر السدود الأثرية في الشرق الأوسط، ويقع في وسط منطقة تضاريسها عبارة عن مجموعة من الشعاب والجبال التي تصب مياهها وقت الأمطار في وادي سيسد الذي بني عليه السد..
درب كرا الأثري..
درب كرا الأثري «طريق الجمالة الحجري القديم»، من المعالم التاريخية المهمة، ويعود تاريخ بنائه إلى أكثر من 1000 عام حسب المصادر التاريخية، وهو طريق حجري ينحدر من قمم الطائف الجبلية الشاهقة صوب تهامة وصولاً إلى كرا..
ويعد الدرب إرثًا حضاريًا وإنسانيًا ذات قيمة تاريخية عظيمة، حيث كان يستخدمه المشاة حتى عام 1380هـ على ظهور الجمال. ويتميز هذا الطريق بمقاومته عوامل الزمن طوال القرون الماضية وشكله الهندسي المتعرج الذي يساعد المشاة والجمال على سلوكه بيسر وسهولة رغم محدودية الإمكانات الفنية والتقنية وقت إنشائه.
ودرب كرا الحجري من الطرق التاريخية القديمة التي بدأت مع بداية ما قبل الإسلام، وتم الاهتمام به في العهد العثماني حيث اختصر مسافات شاسعة بين الطائف ومكة المكرمة. وشهد الدرب عملية تطوير في القرن الخامس الهجري، كما يذكر بعض مؤرخي الحجاز، وكان يتسع للمشاة والدواب، حيث ينقسم الطريق الحجري إلى مسلك للمشاة وآخر للجمال.
النقوش والرسوم الصخرية في الطائف
تضم الطائف عددًا كبيرًا من مواقع النقوش الإسلامية، تباينت مواضيعها وأماكنها، وسجلت بعض الأماكن أعدادًا كبيرة من النقوش، من أبرزها موقع الردف، الذي ضم كمًا هائلاً من النقوش العربية الإسلامية، معظمها يعود للفترة المبكرة، وهناك العديد من المواقع الأخرى التي سجلت حضورًا قويًا للخط العربي الإسلامي في مراحله المبكرة، توجد داخل وخارج الطائف، منها جبل أم العراد، وهضبة بانية، وأم السباع، وحمى النمور، كما تم العثور على العديد من النقوش بهذا الخط في أسفل جبل برد، وفي مواضع متفرقة من الهدا، والشفا، وغدير البنات، ووادي ليه، ووادي النمل، وقريبًا من وادي السيل، مثل ريع الزلالة، والخويرمه وغيرها.
وفي جانب آخر تم العثور على عدد كبير من الأحجار الشاهدية في المقابر الإسلامية في الطائف، مثل مقبرة الوهط، والمقبرة الملحقة بمسجد عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، وحاليًا يوجد العديد من هذه الشواهد في مكتبة مسجد عبدالله بن عباس، وأخرى لدى النادي الأدبي، وأمانة الطائف، إلى جانب مجموعة أخرى يحتفظ بها عدد من الهواة، وأصحاب المتاحف والمجموعات الخاصة.
هذا الكم الهائل من النصوص الأثرية المكتوبة يشير بوضوح إلى انتشار الكتابة على نطاق واسع بين أفراد المجتمع في الطائف، الأمر الذي يمثل ظاهرة اجتماعية وحضارية مهمة، خصوصًا أن تعلم الكتابة آنذاك لم يكن أمرًا ميسورًا، فضلاً عن المواد والأدوات المتوفرة، وصعوبة تنفيذ هذه الكتابات على النحو الذي يظهر لنا في الوقت الحالي.