د.ثمامة فيصل
تذكرت بعض الصحف والمجلات الهندية «النزيهة» و»غير المنحازة» -مع قلتها في هذه الأيام- فاطمة شَيخ في التاسع من شهر يناير بمناسبة ذكرى ميلادها، تلك المرأة الهندية العظيمة التي أهملها المؤرخون والكتاب الهنود، شأنها في ذلك شأن كثير من أعلام الهند وعظمائها.
كانت فاطمة شيخ من رواد تعليم البنات في الهند خلال القرن التاسع عشر الميلادي حيث كان تعليم البنات في المجتمع الهندي مختصاً للطبقات العليا، وكان يعتبر من «المحذورات الاجتماعية» بالنسبة للطبقات الهندية المتخلفة من الهندوس والمسلمين على حد سواء.
وللعلم، فلما آذنت الإمبراطورية المغولية بالانهيار في شبه القارة الهندية وبدأت تنتقل مقاليد الحكم إلى أيدي الإمبراطورية البريطانية خلال القرن التاسع عشر الميلادي، كان نظام التعليم الهندي قد تفكك -بشكل عام- من جراء الفوضى السياسية السائدة وسياسة البريطانيين الاستعمارية، ومخالفة كثير من الهنود اكتسابَ العلوم العصرية بسبب «الرجعية» و»ضِيق العقل والفكر».
ففي مثل هذه الظروف الشاقة تحملت امرأتان هنديتان على كاهلهما مسؤولية تعليم البنات من الطبقات الهندية المتخلفة، وهما ساوِيتْرِيْ بائِيْ وفاطمة شيخ، كلتاهما من مدينة بُونا بولاية مَهاراشْتَرا بغرب الهند. فلما اتخذت ساويتري هذه المبادرة بمساندةٍ من زوجه جِيَوْتِيْ راوْ، وأخذت على عاتقها مسؤولية تعليم البنات المحرومات من التعليم في المجتمع الهندي، خالفتهما عائلتهما أشد مخالفة؛ حتى طردتهما من بيتهما، وفاطمة شيخ هي التي حصَّنتهما وآوتهما في بيتها، وأعلنت دعمها ومساندتها لهما، وأظهرت عزمها القوي وحرصها الصادق لمساعدتهما في إنجاح حركتهما التعليمية.
كان الطريق وعراً في الحقيقة أمام فاطمة وساويتري وكانت المهمة صعبة ومحفوفة بالمخاطر، فأبناء الطبقات العليا هددوهما وأنذروهما من عاقبة الإقدام على تعليم البنات، بل هاجموهما وطاردوهما لردعهما عن خطتهما، ولكنهما بفضل إرادتهما القوية ظلتا ثابتتين في موقفهما، ولم تتزحزحا عن عزمهما وخطتهما، بل ازدادت حماستُهما وتكثفت نشاطاتُهما، ورغم كل هذه العقبات والعراقيل تم تأسيس أول مدرسة لتعليم البنات في الهند في بيت فاطمة شيخ، وذلك في أربعينيات القرن التاسع عشر الميلادي. ولم يلبث أن أُسست خمس مدارس للبنات في أماكن مختلفة بمساعي فاطمة شيخ وساويتري بائي.
ومع أن ساويتري بائي حَظيت باهتمام المؤرخين والكتاب والصحفيين الهنود، إلا أن فاطمة شيخ -للأسف الشديد- لم تتلق منهم مثلَ هذا الاهتمام الذي كان يليق بها هي الأخرى، اللهم إلا ما نُشر في بعض الصحف والمجلات الهندية من مقالات حاولت إبراز مكانة هذه المرأة الهندية العظيمة.
والمشكلة أن فاطمة شيخ هي ليست شخصية هندية وحيدة تعرضت لهذا الإهمال والتهميش من قبل الكتاب والمؤرخين والصحفيين الهنود، بل هناك مجموعة من الشخصيات العظيمة والأعلام والزعماء الهنود المتميزين الذين تم حجبهم وإهمالهم «عمدا» لا «سهوا».
وازدادت هذه القضية أهمية وخطورة في الأيام الأخيرة نظراً إلى ما يشهده نظام التعليم الهندي من إعادة هيكلته وتجديد تصميمه على أيدي أرباب الحل والعقد. فكثير من العلماء والزعماء الهنود الذين ضحوا بكل غال ونفيس لهذا البلد ولم يدَّخروا وُسعاً في سبيل خدمته عبر التاريخ، يتم الآن طمسُ آثارهم ومعالمهم، وشطبُ أسمائهم وحذفُ سِيَرهم من كتب التاريخ والمقررات الدراسية. فمن واجب الغيورين من الكتاب والمؤرخين والصحفيين والإعلاميين الهنود إحياءُ روادهم وأعلامهم وأسلافهم المنسيين المتعرضين للإهمال من أمثال فاطمة شيخ، لكي لا يصبحوا نسياً منسياً مع مرور الأيام وتقلبات الزمان.
** **
- كاتب وصحافي هندي