أفكار مذهلة, مشاريع بحثية جادة, مقاربات جاذبة كتبت بأسطر من الفصاحة وعذوبة الصياغة واللغة الحيوية التي تعج بالمعلومات، ذلك انطباعي عن كتاب «تقديس المدنس في الشعر العربي المعاصر» لمؤلفه الدكتور رائد بن ثنيان الصبح الطبعة الأولى 2017م الصادر عن «المركز الثقافي للكتاب».
يقع الكتاب في 192 صفحة من القطع المتوسط موزعة على ثلاثة فصول:
الأول: بروز ظاهرة تقديس المدنس في الشعر العربي المعاصر.
الثاني: دواعي عدم ولادة مصطلح تقديس المدنس في النقد العربي.
الثالث: القيمة الجمالية والوظيفية لتقنية تقديس المدنس/وتدنيس المقدس في الشعر العربي المعاصر.
مصطلحات:
المقدس: «يقصد به كل قيمة أو مواضعة متعالية سكنت الذاكرة الجمعية في الثقافة العربية» أو غيرها.ص9
المدنس: «يتضمن كل أبعاد المدنس الدينية والاجتماعية والتاريخية» وغيرها. ص 10
تقديس المدنس: «يقصد به كل خرق لمقدس أو التضامن أو التعاطف لأي سلوك قد يكون مدنساً». ص 10
«يسعى الشعراء إلى مقاربة الأشياء والعالم والإنسان مقاربة معرفية وبحساسية فنية وجمالية جديدة». ص 24
و«لغتهم الشعرية طاقة لا تنفد, وبئر لا قرار له». ص 27
«فظل الشعراء المعاصرون مسكونين بإقامة علاقة دائمة التجدد, بين ظروفهم الإنسانية التي يمرون بها, وبين الجوهري الموروث, من أجل تقديم رؤية واعية». ص 28
مسوغات بروز ظاهرة تقديس المدنس في الشعر العربي المعاصر:
-ذاتية الشاعر/هاجس الاختلاف. ص 34
-الحاجة الفنية (البحث عن الدهشة). ص 41
-التأثر بالغرب. ص 47
نفصل في ظاهرة تدنيس المدنس التي مسوغها التأثر بالغرب للتوضيح.
أولاً: عند بدرالسياب:
«كيفية تعامل السياب مع إحدى الأساطير, والرموز الغربية, فقصيدته (رؤيا فوكايا) انبنت على أساطير عدة, من ضمنها قردة البابيون رمزاً للحنو, والمرحمة, لدى الشاعرة إديت سيتويل:
ورغم أن العالم استسر واندثر
ما زال طائر الحديد يذرع السماء
وفي قرارة المحيط يعقد القرى
أهداب طفلك اليتيم حيث لا غناء
إلا صراخ البابيون زادك الثرى
فازحف على الأربع فالحضيض والعلاء
سيان «جنكز» و«كنغاي» كالفناء!
«وظف السياب في المقطع السابق الرمز الإنساني (قردة البابيون) التي ترمز إلى العطف, لكن السياب حولها عن دلالته الرمزية كما جاءت عند سيتويل, من قردة ترعى طفلاً بشرياً إلى قردة لا تكترث بصراخ الطفل, الذي بقي من دمار هيروشيما». ص 51
ثانياً: عند أمل دنقل:
«فانظر إلى قصيدته (كلمات سبارتكوس الأخيرة) كيف جعل الثائر اليوناني (سبارتكوس) «الذي قاد ثورة للمستعبدين ضد الإمبراطورية الرومانية استمرت من سنة 73 ق.م إلى سنة 71 ق.م»
«يا قصير العظيم: قد أخطأت.. إني أعترف.
دعني -على مشنقتي- ألثم يدك.
ها أنذا أقبل الحبل الذي في عنقي يلتف
فهو يداك, وهو مجدك الذي يجبرنا أن نعبدك
دعني أكفر عن خطيئتي
أمنحك -بعد ميتتي - جمجمتي
تصوغ منها لك كأساً لشرابك القوي»
«فصور سبارتكوس, الثائر الروماني, الذي رفض الظلم, والعبودية, وثار عليهما بمشهد الذليل الذي يستجدي عطف القصير الذي ثار عليه. لقد جرد دنقل هذا الثائر من ملامحه التاريخية, استبدل سبارتكوس المعاصر الخانع الذليل بسبارتكوس الثائر التاريخي, وكل ذلك تم فنياً عبر تقنية تدنيس المقدس». ص 54,55
الرأي:
-مما تقدم أعلاه عرّف وعرض ظاهرة تقديس المدنس مع المسوغات ومقتطفات من نموذجي (السياب, دنقل) وشرحها.
-تقديس المقدس الديني ورسوخ الإيمان به.
-إعادة النظر في بعض المقدسات الثقافية, الاجتماعية وتصحيحها.
-الذكاء في اختيار موضوع الدراسة التي سلك فيها المنهج السيمائي.
-أوصلتنا الدراسة إلى أراضٍ نقدية تغذي الخيال.
-تحليل النصوص ومعالجتها وتفسيرها ببراعة.
-نتائج الدراسة شمولية أعطت الظاهرة حقها المعرفي.
** **
- محمد إبراهيم الزعير