د. عبدالحق عزوزي
تنقل إلينا القنوات التلفزيونية صور العديد من الأمريكيين وهم يقفون في الطوابير للحصول على إعانات البطالة. ووجد الرئيس المنتخب جو بايدن أمريكا في ظروف اقتصادية تحتم عليه تأمين الكثير من الوظائف، وفي بلد تضاعفت فيه تقريبا نسبة البطالة خلال عام. فبعد سنوات من النمو، ينكمش الاقتصاد الأمريكي بنسبة 2.4 في المئة، تحت وطأة أزمة فيروس كورونا. وفي فرنسا أكد المعهد الوطني للإحصاء في فرنسا أن الاقتصاد في 2020 سجل ركوداً قياسياً منذ الحرب العالمية الثانية، جراء أزمة تفشي وباء فيروس كورونا في البلاد، وما فرضته من حجر وإغلاق واضطراب في المبادلات التجارية وتُرجمت أزمة وباء كوفيد - 19 بوقف أو تقليص النشاط الاقتصادي بشدة للحد من ارتفاع عدد الإصابات، خصوصاً من خلال انهيار استهلاك الأسر بنسبة 7.1 في المائة على مجمل العام. وسجّل الاستثمار تراجعا بنسبة 9 في المائة وكذلك الصادرات بنسبة 16.7 في المائة والواردات بـ11.6 في المائة، خلال الأزمة التي تسببت باضطراب كبير في المبادلات التجارية. كما دفع فيروس كورونا أسواق المال طيلة أشهر معدودات في أوروبا والولايات المتحدة للتراجع. إذ شهدت أسواق باريس وفرانكفورت ومدريد ولندن وميلانو تراجعات كبيرة.
وموازاة مع الأزمة الاقتصادية العالمية، هناك دعوات ملحة لتحسين التجارة العالمية وإعطاء «روح» للتبادلات التجارية بين دول المعمورة؛ ومن هنا دور منظمة التجارة العالمية التي كانت تُعرف سابقاً باسم الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة، كإحدى دعائم البنية الاقتصادية الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، إلى جانب صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي. وقد أسست المنظمة عقب اتفاقية مراكش، في 1 يناير 1995م، وتتمتع المنظمة بعضوية دولية ويرأسها مؤتمر وزاري لجميع الأعضاء.
ومع ذلك، على الرغم من كل إنجازاتها الهائلة سابقاً في تحفيز النمو الاقتصادي الدولي، فهي اليوم منظمة غير قادرة على إزالة الغبار الذي يطفو بشدة على استراتيجتها داخل مبناها الأنيق على ضفة بحيرة ليمان في جنيف؛ ومما زاد الطين بلة أنه بسبب ما يعانيه الاقتصاد العالمي من ركود، وهو الأكبر منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، فإن التجارة الدولية تضررت بشدة من جائحة فيروس كورونا المستجد الذي تسبب في انهيار الإنتاج والمبادلات التجارية وهو ما يعني دخول المنظمة في ركود حقيقي.
وعلى عكس معظم الهيئات الدولية لديها آلية لفض المنازعات ولكن بسبب المشاكل في النظام العالمي، عانت المنظمة التي تضم 164 عضواً من أزمة بالفعل مع احتدام النزاعات التجارية إذ اضطرت على سبيل المثال إلى تجميد محكمة الاستئناف لهيئة تسوية النزاعات بسبب الولايات المتحدة التي تعرقل تعيين القضاة منذ عام 2017، الأمر الذي يمنع تحقيق النِّصاب الذي يتطلب حضور ثلاثة قضاة.
وخاض أكبر اقتصادين في العالم وما زالا، وأعني بذلك الصين والولايات المتحدة، حربا تجارية ضروسا، ويصدران رسوما وإجراءات متبادلة تقوض قواعدها، ولم يعد أحد يخاف أحكام جهاز الاستئناف، لأن هذه السلطة قد توقفت إلى حين.
ولكن مع ذلك، فإن العالم يتمتع بفرصة تاريخية جديدة يمكن أن تغير اتجاه قواعد التجارة الدولية والتأصيل لمساحة أكبر للبلدان للاستفادة الإيجابية من قواعد التجارة العالمية وتحسين دخل شعوبها والقيام باستثمارات إيجابية قادرة على مواجهة تحديات تغير المناخ والركود الاقتصادي، خاصة بعد تعيين النيجيرية نغوزي أوكونجو- إيويلا مديرة عامة لمنظمة التجارة العالمية، لتكون بالمناسبة أول امرأة وأول شخصية إفريقية على رأس هذه المنظمة. وستستفيد المديرة الجديدة من الإشارات الإيجابية التي أطلقها الرئيس الأمريكي في حق المنظمة؛ وهذا ما سيجعلها في نظري تتمكن خلال المؤتمر الوزاري المقبل للمنظمة من أن تعرض اتفاقا حول الدعم الرسمي المقدم لصيد الأسماك والمعطل راهنا، وإعادة تشكيل هيئة فض النزاعات... أما فيما يتعلق بالمواضيع الشائكة كحق الملكية فإن ذلك سيكون صعبا مع الجشع الذي يصيب كبريات الشركات العالمية والدول؛ فالعديد من الدول النامية تؤيد الإعفاء من براءات الاختراع. إلا أن الدول الغنية التي تضم الكثير من مختبرات إنتاج الأدوية ترى أن القواعد الحالية المنصوص عليها في اتفاق منظمة التجارة العالمية بشأن حقوق الملكية الفكرية، كافية وهذا ما يجعل من مسألة الإصلاح صعبة جدا، ناهيك عن تداعيات الصراع التجاري المستمر بين أمريكا والصين والذي يجعل من المنظمة هيئة فاقدة لكل إمكانية التدخل بل ولكل شرعية.