سعود عبدالعزيز الجنيدل
لا يخفى على أحد وجود مفارقات غريبة، في كنهها ثنائيات لا يتصور حدوثها في سياق واحد، ومن ذلك «الموت «، و»الحياة»..
وبعيداً عن الفلسفة العميقة لكل منهما، وجدت نفسي في سياق جمع لي هاتين الكلمتين المتضادتين، وأصبح من الضرورة بمكان أن أتعامل معهما كلاً على حدة..
ومن المعروف سلفاً أن كلمة الموت بما تحمله من خوف وجزع وحزن... كلمة لها وقعها على النفس، فحين تسمع نبأ وفاة شخص تحزن، وإذا كان هذا الشخص قريباً أو حبيباً أو صديقاً أو ابناً... فهنا تكون المصيبة كبيرة قد ينهار لحظتها كثير ممن يفقدون أحباءهم، وتنقلب حياتهم رأساً على عقب، وتضحي الحياة مرة مثل طعم الحنظل لا تستساغ، ويتمنى بعضهم مفارقة هذه الدنيا...
وعلى النقيض تماماً حينما يتهادى إلى سمعنا قدوم مولود أو مولودة، لنا أو من قريب نفرح أيما فرح، وتكاد الدنيا لا تسعنا، فهذا المولود نعمة وهبة من المولى عز وجل، تستوجب الشكر، وهذه الولادة مثلها مثل الموت من ناحية قلب وضع الأسرة رأساً على عقب، لكون والديه سيبذلان الغالي والنفيس من أجل تحقيق جميع الأحلام لمولودهما، فالمجهودات تتضاعف والمسؤوليات تتعاظم..
وعوداً إلى السياق الذي جمعني مع ثنائية «الموت»، و»الحياة».. وجدت نفسي في مكتب جمع زميلين عزيزين، أحدهما كان قد فقد أخاه قريباً جداً ولم يمض على مواراته الثرى بعض ليالٍ، والآخر رُزق بمولود كان ينتظره منذ مدة.. وهنا وجب عليّ التعامل والتصرف مع هذه الثنائية المتناقضة تماماً، فالموت لشدة مرارته على ذوي المتوفى، يستلزم هيئة وكلمات معينة تتضمن الدعاء له بالرحمة، والدعاء أن يلهم أهله الصبر والسلوان، إضافة إلى الملامح الخارجية «الجدية - الحزن.. إلخ»، أما قدوم المولود ودبّ الحياة فيه - بحمد الله وفضله - وتمتعه بالصحة والعافية، فيلزم هيئة وكلمات معينة، تتضمن التبريكات والتهاني وأن يرزق الله والديه بر مولودهما، مع السعادة والفرح في هيئتك الخارجية لتشارك زميلك العزيز فرحته، وهذا واجب عليك..
ولهذا وجب عليّ التعامل مع هذه الثنائية الغريبة في وقت واحد، وهذا ما فعلته، إلا أني وبعد خروجي من المكتب، أصبحت تائهاً، كيف لهذه الثنائية أن تجتمع، في مكان واحد..
والخلاصة -من وجهة نظري- أن مقولة «الدنيا أرحام تدفع والأرض تبلع» تفسر وتبين حال هذه الدنيا، مع الإيمان الجازم الذي لا يخالطه أدنى ريب وشك أن بعد ذلك يوجد حساب وعقاب، وجنة ونار، وبعث ونشور، وليس كما يقول الدهريون...فالموت والحياة من أقدار الله سبحانه وتعالى، والإيمان بالقضاء والقدر خير وشره من أركان الإيمان التي يجب على المسلم الإيمان بها..
ويتحتم على المسلم التسليم بقضاء الله وقدره، صحيح أننا نحزن لفقد قريب لنا، لذلك فالتأسيّ بالمصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا المواقف وغيرها واجب علينا، فالرسول صلى الله عليه وسلم حين فقد ابنه إبراهيم، قالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ»، ونحن كذلك نحزن ونسلم بقضاء الله وقدره وندعو للمتوفى بالرحمة والمغفرة وأن يسكنه الفردوس الأعلى من الجنان، ولكننا لا نقف عند ذلك بل إن الحياة تستمر.. وفي الجانب الآخر نسعد كثيراً ونفرح حينما نرزق أو يرزق من يهمنا أمره بمولود، ونبارك له، وهذا حال الدنيا «حياة وموت»، وهما واقع يجب التعايش معه.