صالح بن عبدالكريم المرزوقي
الشاعر الكبير سليمان بن شريم من فحول الشعراء في الجزيرة العربية، غطت شهرته الآفاق، وأصبح علمًا من أعلام الشعر، حيث تربع على القمة في زمنه، وحينما أقول متنبي الشعر الشعبي فليس مرد ذلك لقوة شعره فقط، وإنما إلى توافق الشخصيتين من حيث الأنفة والاعتداد بالنفس وقوة الشخصية، ولعل هذا ما جعل ابن شريم يكابد مصاعب الحياة ويعاني، ولو كان غير ذلك لأصبح مثل غيره من شعراء جيله المميزين والقريبين منه ممن عاشوا في بحبوحة ورغد من العيش، حيث كان أمثاله مطلباً لكبار القوم في ذلك الزمن، ولكن طبيعته واعتداده بنفسه هو ما حرمه من الالتحاق بالركب فبقي فقيراً ولكنه لم يظهر ذلك، حيث كان يعيش عيشة الكفاف معتمدًا على ما يستطيع توفيره لمتطلبات الحياة الصعبة آنذاك، وكان قد انتقل من «عين القنور» في منطقه «السر» وسكن عنيزة، وذلك في الأربعينيات الهجرية، فكان يتردد على الحجاز والرياض والكويت طوال تلك الفترة طلباً للرزق حيث يذهب على راحلته، ويقوم بتهريب بعض البضائع من الكويت لكي يسلم من دفع الجمارك المرتفعة، ثم يعود ويجلس في عنيزة حتى ينفد ما عنده، وهكذا كانت حياته، وقد حاول أن يجاهد نفسه حينما ذهب إلى الحجاز في أوائل الخمسينيات الهجرية أثناء وجود الأمير فيصل الذي كان نائباً لوالده الملك عبدالعزيز في الحجاز، والذي كان محباً للشعر والشعراء، وكان مجلسه الخاص لا يخلو منهم حيث كانت تقام المحاورات بين نخبة من الشعراء، ومن ضمنهم صديقه الشاعر لويحان وكان ابن شريم من مجيدي شعر المحاورة، وقد مدح الأمير فيصل بقصيدة مطلعها:
سلام يا شيخ على البعد يعنا له
حريب الردى والمجد ما شيد الا له
كان الملك فيصل شاعراً ومتذوقاً للشعر الشعبي، وبدون شك فشهره ابن شريم قد سبقته إلى هناك وقد حاور عدداً من الشعراء بحضور الأمير، وعاد إلى عنيزة وبقي فيها حتى نهاية الخمسينيات، حيث أعياه التعب والترحال فالتحق في أوائل الستينيات الهجرية بمعية أمير القصيم -آنذاك- عبدالله الفيصل الفرحان، حيث سكن في بريدة ولكنه لم يستطع الابتعاد عن أصحابه في عنيزة، فكان يتردد عليها أسبوعياً، فأصدقاؤه ومحبوه فيها كثر، حيث كانت عنيزة في ذلك الوقت محطة الشعر ومقصد الشعراء، فهناك منهم من سكنها واستقر به المقام فيها، مثل ابن دويرج وابن حصيص وزبن بن عمير والظاهري وغيرهم من الشعراء ممن كانوا يأتون إليها في فترات متقطعة مثل خضير الصعيليك وسويلم العلي وعبدالعزيز الفايز الملقب (رضا)، ومنهم من مدح عنيزة وساجل شعرائها، حيث إنه قد عبر عن حبه لمدينة عنيزة وأهلها، وذلك من خلال قصائد عديدة نظمها في مدح عنيزة بالإضافة إلى مدحه عدداً من الشخصيات المعروفة -آنذاك-، ولعل عنيزة هي المدينة الوحيدة التي وردت كثيراً في شعره، ولم أجد في مجمل قصائده أنه مدح غيرها من المدن الأخرى، وسوف أورد بعضاً من تلك القصائد يقول في إحدى قصائده مادحاً عنيزة:
أهل ديرة المظلوم عن كل ظالم
ومن ضدته دنياه يرقى سنودها
وقال أيضاً من قصيده أرسلها وهو في عنيزة مسنداً على (رضا):
في ظل أهل حدب السيوف الشطاير
أولاد علي مدلهين القصيري
وله مسند على الراوية عبدالرحمن الربيعي، وهو من أصدقائه وكاتب قصائده:
توايقو بين الصناقر والاقوار
على بلاد بين خضر البساتين
أولاد على اللي علمهم بالامصار
عقال بالمجلس وبالكون طفقين
أما قصائد المدح التي مدح فيها عدداً من أصدقائه في عنيزة فيقول من قصيدة يمدح فيها عبدالرحمن العبدالعزيز السليم:
ابي لي شجاع التجي في معزته
كما تلتجي عقبانها في حيودها
هو الليث بن عبدالعزيز ابن زامل
هو مقدم السربه وحامي بنودها
وقال ابن شريم مادحاً ناصر الشملان، وهو من الشخصيات المعروفة في عنيزة:
واقلط لابو راشد ونوخ قباله
اقلط وتلقى لك ادلال مراكات
وكيف تعزل ثنوته عن دلاله
يجلي عماس الراس عن كل الافات