د. محمد عبدالله الخازم
يسرد معالي وزير التعليم العديد من المطالب العملية أمام الجامعات لتقوم بتحقيقها مثل قضايا تطوير الموارد وبناء الهويات البحثية، قياس المخرجات وتبني البرامج التطبيقية المؤهلة لسوق العمل، بناء الهياكل الإدارية، تبني وسائل التعليم الحديثة مثل التعليم عن بعد وغيرها من الجوانب العملية. ولا ينسى تكرار الحث على الاهتمام بالوعي والأمن الفكري. هذا المصطلح أصبح يتردد بكثرة في إعلامنا ومؤسساتنا المختلفة، أحياناً بصورة لا يستوعبها الجميع، سواء في جانبه الفكري أو الأمني. هنا أتذكر، في زمن ما، سمعت بأن فلاناً خريج المعهد الثقافي فتساءلت ما هو هذا المعهد الذي يخرج مثقفين، كيف أصبح مثقفاً ونحن لم نقرأ له حرفاً في صحيفة أو كتاب؟ فأخبرت بأنه معهد لتخريج فئات مدربة في مجالها الأمني. أخشى غداً أن يأتي من يدّعي بأنه خبير فكري أو خبير أمني، لمجرد أنه اشتغل في وحدة تُسمى وحدة الأمن الفكري.
أنا هنا لست أكتب عن فكر بعينه، ومن لديه اهتمام بفكري سيجده منثوراً على مدى عقدين من الزمان في الكتب والمقالات. لكنني أكتب عن جوانب تنظيمية، وفي الذهن ذلك الرقم المخيف الذي أعلنه رئيس جامعة الإمام محمد بن سعود، عبر لقاء تلفزيوني حول أصحاب الفكر المخالف بجامعته، وعلى ضوئه أشفقت على مدراء الجامعات بحجم ونوعية المهام التي قد تشغلهم عن التطوير الأكاديمي. أعود للأسئلة: لماذا لا نكون أكثر وضوحاً في مصطلحاتنا وفي رسالتنا؟ هل يعيبنا القول الحرص على مصالحنا الوطنية العليا؟ إنه حق للدول، كما لاحظناه في أعتى دول الديموقراطية كما توصف الحرص على أمنها ومصالحها العليا، كما أنه حق للمؤسسة، أياً كانت، أن يكون لها قائمة معايير أو مبادئ تحكم ممارساتها وممارسات أعضائها ونستخدم مصطلحات تتعلق بضوابط وأخلاقيات الممارسة، مثال، أخلاقيات البحث وأخلاقيات المهنة، فلم لا يكون لدينا أخلاقيات العمل الجامعي نضمنها ما نريده بشكل قانوني واضح، يخلو من ضبابية المصطلحات؟
ربما مصطلح «الأمن الفكري» يفتقد الخطوات الإجرائية الشفافة والواضحة للجميع، وعدم الوضوح يجعله عرضه لتفسيرات مختلفة ولشائعات قد تسيء للهدف المطلوب. لذا اقترح تغيير المصطلح إلى أخلاقيات أخلاقيات الممارسة الأكاديمية. ولنضع معاييرها التي قد تتضمن:
- الالتزام بقوانين الملكية الفكرية.
- عدم الإضرار بمصالح الوطن العليا.
- الالتزام بمبادئ الوحدة الوطنية وعدم إثارة الفتن المذهبية والطائفية والقبلية والفئوية.
- الالتزام بقبول الآخر وقبول التنوع الثقافي في العمل الجامعي.
- الالتزام بالحفاظ على الممتلكات العامة والبيئة المحيطة.
- الالتزام بتحفيز الحوار العلمي والمهني الفعَّال.
تلك مجرد نقاط تساعد في إيصال الفكرة، يمكن نقاشها وإعادة صياغتها. بمعنى آخر أبحث عن وضع قيم وأسس مهنية للممارسة تُضمن في وصف وعقود الوظائف، نرتكز عليها بدلاً من استخدام مصطلحات على المدى البعيد قد تصبح وصمة تسيء لسمعة جامعاتنا. سيكون مقبولاً وجود لجنة أخلاقيات الممارسة المهنية في التعليم الجامعي أو تشكيل لجنة لهذا الغرض عند الحاجة لكنه ليس مريحاً وجود مكتب للأمن الفكري، حيث الجامعة مؤسسة ديموقراطية تحفز الحرية الفكرية والحوار والنقاش ويفترض أن يلتزم منسوبوها بضوابط وظيفية قانونية مكتوبة.