عبدالوهاب الفايز
المراقب والمتابع لآراء المعلقين والمحللين حول التقرير الذي رفعته وكالة الاستخبارات الأمريكية إلى الرئيس بايدن، حول مقتل جمال خاشقجي رحمه الله، والذي جاء على شكل تقييم للمعلومات ولم يجزم بحقائق وأدلة حول من أصدر الأمر بالقتل، هذه الآراء منها ما جاء من الوجوه المحسوبة على اليسار، سواء في أمريكا أو أوروبا، فهؤلاء لهم منطلقاتهم الايديولوجية من الأنظمة الرأسمالية والملكية، لذا يصعب أن يقفوا على الحياد من القضايا المطروحة.
وهناك أيضا المتطرفون من الليبراليين والمحافظين، وهؤلاء عادة يبحثون عن الموضوعات الساخنة في كل الاتجاهات لاستثمارها لأجندتهم ومصالحهم الشخصية، وهؤلاء أيضا لا يعرفون درب الوسطية والاعتدال والقدرة على التجرد من الذات.
هذه في تصوري يجب ألاّ تشغلنا أو تزعجنا، فالمتؤدلج والمتطرف من الصعب الحوار معه أو إقناعه لأنه يبني سلوكه على تصورات وتوجهات سلبية، والأفضل أن نتعامل مع خطابهم بالتفكير الايجابي الذي نستمده من هدي نبينا، عليه الصلاة والسلام، (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها يأخذها)، أي نستفيد منه إذا كان يحمل أمرًا مفيدًا.
أيضًا برزت الآراء الشخصية الواضحة التي تستهدف شخصية سمو ولي العهد، وتستهدف أسلوب الحكم والإدارة الذي نمضي به الآن، بالذات الاتجاه إلى الانفتاح على جميع القوى والتكتلات السياسية والاقتصادية العالمية، وهذا التوجه ينطلق من مصالح الشعب السعودي وتطلعاته، والحكومة السعودية تبني مواقفها وتحركاتها الداخلية والخارجية بناء على هذه المصالح وتعيد ترتيب أولويات حراكها السياسي وجهودها الدبلوماسية لتحقيق هذه المصالح والتطلعات.
في مقال سابق في هذا المكان (17 أكتوبر 2018)، قلت ان تراجع المهنية في الإعلام الأمريكي تراه عندما تكون قضايا الشرق الأوسط مطروحة. هنا ترى الاعتماد على مصدر واحد للأحداث وعدم كشف المصادر، واللجوء إلى التسريبات الإعلامية. والبحث عن الأشخاص الذين لهم أهدافهم من استهداف بلادنا.
الآن نرى هذا التراجع المهني يتجدد وعاد التشكيك في مخرجات مشروع التحول الاقتصادي في المملكة عبر الادعاء انه يتجه للفشل. ونرى الموضوعات والتقارير والحوارات (بالذات في الأقسام العربية المؤدلجة للمحطات التلفزيونية الأوربية)، التي تستهدف رسم صورة نمطية سلبية عن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فاستهداف شخصية ولي العهد واضح في التغطيات، وهنا يتم اتباع أسلوب (اغتيال الشخصية)، وهو مسار تعتمده وسائل الإعلام كجزء من الحرب النفسية والأيديولوجية لكنهم لم ولن ينجحوا.
لماذا يستهدفون الأمير محمد بن سلمان؟
القيادة السعودية، منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز يرحمه الله، مدفوعة بتحقيق المصالح الوطنية العليا، من واجبها التحرك في كل المسارات، وسمو ولي العهد يقدم نموذجًا متجددًا للقيادة السعودية التي تؤمن بتنوع المصالح والتحالفات.
طبعًا هناك رجال دولة وسياسيون وأصوات إعلامية عاقلة في أمريكا وفي العالم بشكل عام، تؤمن بحق الدول في السيادة على مصالحها الوطنية، وتدرك أن (الواقعية السياسية) منهج مقبول ومتعارف عليه في العلاقات الدولية. هؤلاء هم من يجب التواصل والحوار معهم، وتقدير آرائهم.
لكن هؤلاء مع الأسف لا تصل أصواتهم، ومنظومة إعلامنا التي يصرف عليها مئات الملايين مشغولة عنهم، لا أحد يصل إليهم ويبرز أصواتهم وأغلبهم مستعدون للحديث، والإعلام المرتبط بمصالح الديموقراطيين لن يتيح لهم الفرصة لكي يتحدثوا ويعبروا عن آرائهم المستقلة. رئيس الاستخبارات الأمريكية السابق ريتشارد جرينيل وصف تقرير السي اي اي بأنه فارغ من الأهمية وأعيد تغليفه لأجل (التلاعب بالذكاء لتحقيق مكاسب سياسية).
عمومًا يبقى الأهم أن نركز على ما نستطيع التأثير فيه ونقدر على إنجازه داخليًا. هذا التحدي الأكبر الذي نحتاجة، والمملكة في تأريخها الطويل طبقت هذا المبدأ ونجحت، ولم تلتفت في العقود الماضية للمؤدلجين والقوميين المتطرفين، ركزت على تكريس الشرعية الوطنية للدولة بالاستمرار والتوسع في بناء المؤسسات والمشاريع التنموية التي تحتاجها حياة الناس. قوة الجبهة الداخلية هي الدرع الحصين.