د. سماح ملهي
انتهى الجزء الثاني من المسلسل الدرامي الذي جمع بين أسلوب الرعب والفنتازيا بشكل جميل وراقي لم يسبق لنا أن نشاهده من قبل بإخراج وتأليف سعودي للأستاذ الكاتب الكبير علاء حمزة والمخرج المتألق الأستاذ عمر الديني..
لم يختلف الجزء الثاني في موضوعية الطرح عن الجزء الأول ولكن بتوسع القصة والفكرة التي طالت شخصيات كبيرة فإلى جانب الأستاذ فيصل العميري والفنانة ريم عبدالله كانت إضافة جداً جميلة للفنان خالد صقر الذي لعب دور البطولة المشتركة بشكل متناغم مع السياق وفي نسق مرتب وكأنها لوحة كلاسيكية.
في هذا الجزء تحديداً اقتربت الصورة والخيال إلى شيء به من الغموض والأسرار في العالم السفلي وقضية الأولاد من تزاوج العالمين..
ولذا لم يعد سر الأسرار سراً لطالما أصبح في رغبة للطامعين في الوصول إليه، والكنز الأسطوري عاد مطمعاً كبيراً من شياطين الإنس..
جعلنا نشعر المسلسل أن الطمع صفة ملازمة لكل من العالمين فكلاهما يبحثان عن المال أو السلطة.
ولكن عندما يكون الصراع بين عالمين مختلفين أحدهما مخلوق من نار والآخر من طين، يبرز الصراع الأكبر وكأنه الصراع ذاته بين آدم وإبليس الذي أبى واستكبر وكان من الكافرين.
وحده الغرور والتكبر والسيطرة من صفات الشيطان الذي يجري في الإنسان مجرى الدم وإذا تسلط عليه أعطاه من صفات الشر والأنانية والجحود.
ألهمنا الكاتب بنظرية القوة، قوة الصفات والقدرات التي قد لا تجدي نفعاً فمهما بلغ الإنسان والشيطان من كبر وتعند، يبقى الله القادر على خلقه أجمعين.
فالساحر الذي كان يمتلك العديد من المردة، كان أضعف انسي قادر على سرقة خاتمه، ولم يفكر حتماً بأهميته لأن المال كان أهم لديه من كل هذه المتاهة.
وأن التاجر الذي أفنى عمره في العمل والبحث عن الرزق الحلال الذي كان سيكفيه لبقية عمره، أوصله الطمع إلى طريق مسدود بعد أن خسر ثروته وزوجته وكاد أن يخسر حياته أيضاً إذا سار خلف طلب الساحر وصدق الله سبحانه وتعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}.
كيف للمال أن يجعل ولد يكره والده لدرجة أنه يتمنى له الموت، وكيف لولد الولد أن يكون أحن وأطيب من أبيه على جده.
ولعلني خلت أفكر، كم نسخة منهم يعيشون معنا دون أن نشعر، وكم مرة جعلنا الشيطان ننسى الكثير لأننا لم نستعذ بالله منه في كل حين.
ما هو سر الأسرار، الذي لم يفصح عنه الكاتب، فقد خيل لي أنه تاج ربما، أو كرسي، ولكن رغم كل التحذيرات بوجود مهالك كبيرة إلا أنهم لم يترددوا لحظة في الوصول إليه، رغم علمهم أنهم لن يبقوا على قيد الحياة.
حتى الدكتور النفسي الذي كان إيمانه ضعيفاً بالله وجسد ذلك في قضية بحثه عن المعرفة، فلا يمكن أن يكون العالم المثقف ساحراً، لأن الساحر كافر، والدين والعلم من الثوابت، ولكن كيف يكون الشخص مثقفاً وعالماً ويركض خلف السحر والشعوذة لدرجة الكفر مع تخليه عن أي شيء مقابل رضا للشيطان والعياذ بالله.
كيف يكون الإنسان أيضاً مطمعاً من الشيطان، حتى عندما ذهب جمعان إلى المسجد لم يسلم من شياطين الإنس وكان ولده أبرزهم.
كيف لم يمل والد فلوه من تراجعها عن حبها للانسي وظل خلفها لآخر لحظة، بينما لم يفكر جمعان في ولده الانسي وظل يبحث عن ابنه في العالم الآخر مع أن نصفة انسي وليس من البشر مثل ولده فراج.
إن حالة اليأس التي يرسمها الشيطان للإنسان تجعله لا يفكر بواقعية ويجعله يتتبع خطواته، فلم يحافظ على ذكر الله لكي يتجنب اغواءه وسيطرته، مع أنه حين وقع في البئر المهجور كانت آية الكرسي عندما قرأها هي من أنقذته.
كيف سحر عاموس غازي وجعله يطلق زوجته وكيف استطاع صاد أن يكافئ ابن جمعان على عقوقه بأموال غازي المسروقة، كل ذلك حدث لأن الإنسان من يسمح للشيطان أن يأتي إليه فالبعد عن الله وعن ذكره سبيل لسيطرة العالم الآخر علينا.
حتى آخر مشهد يوصل لنا السياق الدرامي أن الخير يعود للجميع سواء أي كان من يقدمه، فعندما أسلم خضر وساعد وجد من يساعده حتى إن كان ليس من البشر، فصنائع المعروف تقي مصارع السوء..
{وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}، فالحياة بها طرق كثيرة أبرزها الخير والشر ونحن من نختار الخير فإذا اخترناه حتماً سيعود إلينا، ولكن الشر والعياذ بالله طريق الشيطان الذي لا يوصل الإنسان سوى لطريق مسدود آخره الهلاك والضياع..
يكتمل القمر كل شهر، وكل يوم يتجدد لدينا إذا شعرنا أن الخير فينا ومنا، ولا يحدث كسوف لأرواحنا إلا إذا بعدنا عن طريق الله وضعف الإيمان به، حينها تصبح الروح هشة ومعرضة لأضعف شيطان على وجه الأرض.
عندما يكتمل القمر2 .. عمل درامي فريد بامتياز غير مكرر، وأعتقد مرة أخرى أن الكاتب وجد نفسه أمام جزء ثالث ربما..
فالشر الذي يقبع في داخل الشيطان لن ينتهي إلى يوم القيامة، والطمع الذي يعيش في داخل الكثير لن ينتهي أيضاً وصدق قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}.