علي الخزيم
أظهر السعوديون بريقاً جديداً من مكنون حبهم لوطنهم وقيادتهم لحظة إعلان فوز الجواد (مشرف) بلقب الكأس العالمي للخيل الذي نظمته المملكة بنسخته الثانية، وبينوا للعالم مدى عشقهم لهذه الرياضة العربية العريقة المتوارثة عن الأجداد، وكشفوا أن انتماءاتهم الرياضية لا تقتصر على المنافسات الكروية، وفي تلك الأمسية عرضت المحطات الفضائية والبرامج الرياضية صوراً مبهجة ومقاطع راقية للجماهير السعودية وهي تحتفل بهذا الفوز التاريخي للجواد العربي الأصيل، صور أفرحت كل أخ وصديق عربي ومسلم وغيرهم، وكانت بذات الوقت صدمة لكل متربص مُغْرض يبحث عما يعكر العلاقة بين المواطن وقيادته هنا في مملكة الإنسانية والحزم والعزم، فكانت المناسبة السعيدة تجديداً للفرح وترديداً للحمد والتسبيح للواهب المعطي على كل أفضاله علينا بالسعودية قيادةً وشعباً، فالحمد لله كثيراً.
ويُعد الحصان العربي أقدم وأنبل وأجمل الخيول بالعالم فهو من السلالات الخفيفة الأصيلة التي نشأت بجزيرة العرب؛ لا سيما على هضاب نجد وعسير وغيرها من المناطق الأكثر خصوبة وملاءمة لتربية هذه السلالة العربية العريقة التي يعود تاريخها إلى أكثر من سبعة آلاف سنة مضت واحتفظت بنقاوة خلقتها وصفاتها الراقية، ولهذا فالحصان العربي - بلا منافس - أجمل الخيول على الإطلاق، واشتهر بسرعته وقدرته الفائقة على الصبر وتحمل الجوع والعطش والتأقلم مع حرارة بيئته المناخية، وأسهمت الفتوحات الإسلامية ورحلات وتنقل القبائل العربية بدخول هذه السلالة إلى بقاع كثيرة من العالم، ويبرز التراث العربي الكثير من الدلائل والنماذج المبرهنة بجلاء على مكانة الخيل في المجتمعات العربية قبل الإسلام وبعده، فالحصان عند العرب هو المال والجاه، ولأهمية الجواد العربي ومكانته عالمياً وللحفاظ على سلالته الفريدة تم تأسيس المنظمة العالمية للحصان العربي (واهو waho) عام 1970م.
وكان وما زال للخيل بديوان الشعر العربي منزلة رفيعة أضفت عليها ومنحتها أرقى وأجمل الصفات الحميدة، وكان بعضهم - لحظوتها عنده - يفضلها على عياله، كعبيد بن ربيعة التميمي حين طلبه أحد الأعيان فرسه ليشتريها منه؛ فأبى وقال قصيدة منها:
(مُفَـدَّاةٌ مُكَـرَّمَةٌ عَلَيْنَا
يُجَاعُ لَهَا العِيَالُ ولاَ تُجَاعُ)
ويقول إسماعيل بن عجلان في مكانة الخيل:
(أقاسِمُها مالي وأُطعِمُ فَضْلها
عيالي، وأرجو أن أُعان وأوجرا)!
وقد ربط أبو الطيب المتنبي بين الخيل والكتاب دلالة على أهمية كل منهما وأثره بالحضارة العربية؛ اذ قال:
(أعَزُّ مَكانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سابحٍ
وَخَيرُ جَليسٍ في الزّمانِ كِتابُ).
والفارس العربي المقدام عنترة يصف وفاءه لحصانه الأبجر ابن النعامة فيؤكد أنه يذود عنه إذا احتمى الوطيس بقوله:
(أقيه بنفسي في الحروب وأتقي
بهادية انى للخليل وصول).
وأختم بقصة تُروى حول سبب تسميتها بالخيل، ذلكم أن (معتوهاً) التقى اللغوي أبي عمرو بن العلاء وسأله: لم سمّيت الخيل خيلاً؟ فقال له اللغوي: لا أدري، فقال المعتوه: لكن أنا أدري، فرد ابن العلاء: عَلِّمنا، فقال: لاختيالها بالمشي، فقال ابن العلاء لأصحابه: (اكتُبوا الحكمة وارووها ولو عن معتوه)!