محمد آل الشيخ
المنشقون السعوديون الخونة والمرتشون، ومعهم مناوئونا العرب الذين تنتشر منصاتهم الإعلامية في أرجاء الأرض، أعلن أغيلمتهم وكهولهم أفراحهم، وتباشروا بتأزم العلاقات السعودية الأمريكية. وهذا ليس جديدًا ولا غريبًا على من خان وطنه، وارتشى، حتى وإن ادعى التدين ونصرة الإسلام، فتاريخ الإسلام منذ أن انتقل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى ممتلئ بهؤلاء الذين وصفهم الرسول بأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. ومثل هؤلاء، ومعهم من يمولهم ويحرضهم، لا يتعلمون من تجارب التاريخ، ويرفضون أن يعترفوا بحقيقة أن المملكة دولة وازنة وقوية، ليس بالنسبة لأمريكا فحسب، وإنما لأعداء أمريكا أيضًا، الذين يتمنون أن يكسبوها إلى جانبهم، أو قل إلى حلفهم. ومن الغباء السياسي أن تملك علاقات تاريخية ومصالح متبادلة مع دولة ما، ثم تضحي بها؛ فهي بدورها راغبة أو مضطرة ستسعى إلى حماية نفسها، والانضمام إلى معسكر الضد. بمعنى أن أمريكا في هذه الحالة تهدي مناوئيها في معسكر الصين وروسيا، وبمجانية، حليفًا إقليميًّا وازنًا، لمجرد أن ترضي صوتًا، أو حتى أصواتًا داخلية، هي أقرب إلى الديماغوجية منها إلى الاتزان والتعقل. وأمريكا دولة عظمى، ولم تكن عظمى وصامدة أمام تقلبات الرياح والمتغيرات لو كانت تنحي العقل جانبًا، وتضحي بمصالحها، وتتبع من يحكّمون عواطفهم وليس عقولهم للحكم على الأمور، خاصة إذا كانت ذات أبعاد استراتيجية، مثل العلاقات الأمريكية السعودية.
ومن خلال نظرة سياسية علمية سيجد المراقب والمحلل أن الصراع الآن في العالم هو (أولاً) -وأكرر أولاً- بين معسكر الولايات المتحدة ومعه أغلب دول أوروبا الوازنة عسكريًّا واقتصاديًّا من جهة، والمعسكر الصيني الروسي من جهة أخرى؛ لذلك فهناك أصوات أمريكية وكذلك أوروبية تدفع معسكرهم إلى إعطاء منطقة الشرق الأقصى أولوية على عداها من بقية المناطق، بما فيها منطقتنا (منطقة الشرق الأوسط). ويبدو -كما يلوح في الأفق- أن حكومة الحزب الديمقراطي، ومعه الحكومة العميقة في أمريكا، وكذلك الرئيس الأمريكي بايدن، مقتنعون بأن ساحة الصراع مع الصين هي الساحة التي لها الأولوية المطلقة على عداها من بؤر الصراع في العالم؛ فالخطر الحقيقي على مكانة وريادة الولايات المتحدة هناك، وليس في أي مكان آخر؛ لذلك يمكن القول، وبعلمية، إن معيار مصالح الأمن القومي الأمريكي ينطلق من هذا الصراع، ومن السذاجة السياسية الزعم بأن أمريكا ستضحي بعلاقاتها مع المملكة لمجرد جعجعات هنا أو هناك؛ فالأولوية المطلقة للمصالح، خاصة مصالح أمريكا في صراعها مع الصين، الذي تشير مؤشراته الاقتصادية إلى أنها تسعى لأن تكون الدولة الأولى اقتصاديًّا في العالم. وهذا الغول الشرقي يهدد قوة الولايات المتحدة العظمى.
والعلاقات السعودية الأمريكية كأي علاقات تاريخية طويلة وممتدة بين دولتين لا بد أن يشوبها مد وجزر، وخلافات في التفاصيل، لكنها تبقى علاقات استراتيجية، من الغباء والحمق أن يضحوا بها ويقدموها للمعسكر الآخر على طبق من ذهب.
إلى اللقاء