م. خالد إبراهيم الحجي
العلاقة بين الديمقراطية والتطرف تتشكل بفعل مكونان أساسيان هما صور وأشكال التطرف، وأنواع الأيديولوجيات المختلفة..
أولاً: التطرف: هو المغالاة السياسية أو الدينية أو المذهبية أو الفكرية، وهي العمليات التي من خلالها يتبنى الأفراد أو الجماعات الآراء التي تبتعد عن الاعتدال والوسطية بشكل متزايد في معارضة الوضع الديني أو الاجتماعي أو السياسي الراهن، وهو أسلوب خطر مدمر للأفراد والجماعات، وتبذل بعض الدول جهوداً مضنية للقضاء على التطرف الإرهابي.. وعلى مدى العقدين الماضيين تحدث المحللون عن عدة أُطر لشرح عمليات التطرف إلى التطرف العنيف الذي قد يصل إلى حد العمليات الانتحارية.. واستندت هذه الأُطر في المقام الأول على الدراسات التجريبية الحديثة لعمليات التطرف الديني، وصور الإرهاب المتولدة عنها التي ظهرت بعد سبتمبر 11، والعمليات الانتحارية التي تبناها بعض شيوخ التطرف الديني، وجعلها تنظيم داعش عام 2011 العقيدة الحربية لأتباعه الإرهابيين داخل وخارج أرض المعركة، وفي كل مكان وزمان.. وفي الحقيقة أن استجابة الأتباع للمحرضين المؤثرين، والانقياد الأعمى لهم ليس مقتصراً على التطرف الديني فحسب، وإنما يوجد أيضاً في التطرف الأيديولوجي.
ثانياً: الأيديولوجية مصطلح حديث من عصر التنوير الفرنسي، وجمْعها أيديولوجيات وهي: مجموعة الآراء والأفكار والعقائد والفلسفات التي يؤمن بها شعب أو أمة أو حزب أو جماعة. والأيديولوجية قد تكون عقلانية وقد تكون متطرفة راديكالية.. والتطرف الأيديولوجي «المحرك الرئيسي للعلاقة بين الديمقراطية والتطرف» هو التغيير أو الاستبدال في المبادئ الأساسية للمجتمع أو النظام السياسي، وغالباً من خلال التغيير الاجتماعي أو التغيير السياسي أو الثورة أو الإصلاح الجذري. ولا توجد دراسة تجريبية يمكن الاستدلال بها على أن التطرف الأيديولوجي يمكن أن يصل إلى حد القيام بالأعمال الانتحارية التي يحرض عليها بعض شيوخ التطرف الديني في خطاباتهم الدينية، وإباحته لأتباعهم بارتكابها.. وعدم وجود هذه الدراسة التجريبية يؤكد أهمية التمييز بين التطرف الأيديولوجي والتورط في الإرهاب.. والتطرف الأيديولوجي ينتج عنه التنافر والتباعد، والتخاصم السياسي بين الأحزاب المختلفة التي نشاهد نتائجها على أرض الواقع، عندما تقوم الأحزاب السياسية الخاسرة برفض نتائج التصويت في الانتخابات الديمقراطية، ولا تعترف بالخسارة، وتتهم الأحزاب الفائزة بأنها قامت بتزوير الأصوات لكسب العمليات الانتخابية.. وفي معظم الحالات عندما تعلن قيادات الأحزاب الخاسرة مزاعم التزوير صراحة عبر الخطابات السياسية المباشرة والسوشيال ميديا وعدم الاعتراف بالخسارة، فإنها تحمل بين طياتها وثناياها الإيحاءات المبطنة، والإشارات الضمنية التي تحرض الأنصار على التمرد السياسي على الأحزاب الفائزة، وإثارة واستفزاز المتعصبين الذين يلجأون إلى العنف للتعبير عن حنقهم وغضبهم، وارتكاب المخالفات، والاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة، واقتحام المقرات الحكومية، والبرلمانات والمجالس التشريعية وتخريبها، وقد يصل العنف عند بعضهم إلى استهداف قيادات الحزب الفائز في الانتخابات المحلية والرئاسية، والاعتداء عليهم، وارتكاب جرائم القتل في حقهم.. ومما لاشك فيه، أن الغرض من تحريض قيادات الأحزاب الخاسرة أنصارهم على التمرد السياسي على الأحزاب الفائزة في المعارك الانتخابية الديمقراطية، هو دفع عقولهم إلى الابتعاد عن المسارات العقلية الواقعية، مما يسمح لقيادات الأحزاب الخاسرة من التوصل إلى حلول جذرية لاستعادة الحكم المحلي أو الرئاسي الذي خسروه عبر الانتخابات الديمقراطية؛ خصوصاً عندما يكون فارق الأصواالانتخابية ضئيل جداً بين الخاسرين والفائزين، أو عندما يكون المرشح الرئاسي في الانتخابات هو الأكثر شعبية من أي مرشح رئاسي خاسر في تاريخ الدولة الديمقراطي.. وفي الأنظمة الديمقراطية يعد أنصار الحزب الخاسر «المتعصبين بالملايين» عامليِّن مهميِّن لاستحداث آلية سياسية تحقق التطرف الأيديولوجي «المحرك الرئيس للعلاقة بين الديمقراطية والتطرف»، وبالتالي تجعل قيادات الحزب الخاسر يفكر بجدية في الانشقاق عن الأحزاب القائمة التي كان ينتمون إليها في السابق، وتشكيل حزب جديد قائم على الملايين من الأنصار المتعصبين، والمبادئ الراديكالية، لينافسوا به الأحزاب الكبيرة الأخرى الديمقراطية والجمهورية في المعترك السياسي.
الخلاصة:
إن الانقسام الأيديولوجي يعد تحدياً حقيقياً واقعياً للرئيس الفائز في الانتخابات الديمقراطية الذي يتعهد في خطاباته الرئاسية بأنه سيكون رئيساً لجميع الأطياف السياسية في الدولة.