د.حماد الثقفي
أثبت الوباء الكوروني وجود حاجة مُلحة لإدارة المخاطر الاجتماعية، حتى مع وجود أعتى الحكومات وتقدمها، وقد رأينا حكومة المملكة تتصدى بحائط دفاعها الأبيض لأزمة انتشار كورونا عبر تفعيل دعم حكومي واسع النطاق لحماية الوظائف والأسر الأقل دخلاً، لذا كانت الحاجة هنا حال استمرار الجائحة لفترة أطول لاهتمام الحكومة بالقطاع المصرفي وتوافقه مع توجهات المملكة في ظل «رؤية 2030» مع منهجية العمل الطموحة، التي كرستها إلى تحقيق أعلى مستوى من الشمول المالي، حيث كانت المملكة في فترات سابقة تغض الطرف عن الشركات والمؤسسات التجارية التي تمثِّل المملكة أكبر أسواقها، ومع ذلك كانت تلك الشركات العالمية، العاملة في المملكة تلجأ إلى فتح مكاتبها الإقليمية في دول أخرى في المنطقة، وتربط بعض هذه الشركات حجتها بعوائق تنظيمية وتشريعية بالمملكة منها ما يتعلّق بالتأشيرات وسواها من العوائق.. التي وضعتها الرؤية في حساباتها وحان وقتها! وبالتالي فليس مُستغربًا أن تبادر حكومتنا الرشيدة، بخطواتها الجادة بكل ما تحمله من مبادرات اقتصادية تتطلب عملاً دؤوباً، وتتطلب شراكة مع القطاع الخاص المحلي والدولي، حتى تكتمل وتحقق تطلعات القيادة؛ لاستقطاب المكاتب الإقليمية للشركات الأجنبية ليكون مقرها الرياض التي لم تستفد من المقرات العالمية سوى بأقل من 5 % ، على الرغم من أنها مقر مجلس التعاون الخليجي، ومقر للقيادة العسكرية الخليجية الموحَّدة، وقادت العالم الاقتصادي في مجموعة العشرين وسط ظروف استثنائية أحبطت دول العالم المتقدّمة، وكانت هي الأقوى بينهم -ولله الحمد- فانطلقت الرياض برؤيتها كأكبر 40 اقتصاداً في العالم كمدينة، بل وتُمثِّل حوالي 50 % من الاقتصاد غير النفطي في المملكة، وهو ما أكده ولي العهد في مقابلته الأخيرة إعلامياً أن بلاده تستهدف «أن تكون الرياض من بين 10 أكبر اقتصاديات مدن في العالم ... ونستهدف أن يصل عدد سكان الرياض إلى ما بين 15 و20 مليون نسمة في 2030، وأن تكون الرياض من أميز المدن في العالم في جودة الحياة والسياحة وفي الخدمات بشكل أو آخر»، بل وأكد أن: «تكلفة خلق الوظائف في الرياض تعد أقل بـ30 % من بقية المدن في المملكة، وأن تكلفة تطوير البنى التحتية والبنى العقاري أقل بـ29 % من بقية مدن السعودية، وأن 85 % من اقتصادات العالم تأتي من المدن، وسترتفع هذه النسبة إلى 95 % في الفترة المقبلة».
إذاً الرياض مدينة المبدعين، ووقود الحضارة الإنسانية نحو آفاق جديدة لم تُكتشف بعد، لتكون درة العالم في العصر الحديث، وقاطرة الاقتصاد العالمي، إضافة لكونها مركز مالي «ساما» لا يُستهان به اقتصادياً، إذ تشير التقارير إلى أن المصارف المدرجة في السوق السعودية سجلت نمو ربحي صافي خلال 2019، بنسبة 40.9 % مقارنة بـ2018، البالغ نحو 32 مليار ريال مقابل 45.11 مليار ريال، ويأتي هذا النمو الكبير بسبب تسوية قامت بها المصارف مع الهيئة العامة للزكاة والدخل في الربع الأخير من 2018، لسداد المطالبات الزكوية لعدد من الأعوام، ما أثر في ربحية قطاع البنوك خلال ذلك العام.. لذا كان لزاماً أن تتزايد المُشاركة الاجتماعية الفعلية للبنوك السعودية، ومسؤوليتها الاجتماعية وفق المعايير الشرعية والتنظيمية المقبولة عالميًا، وإلا انهارت شبكة الأمان غير الرسمية غالباً في أعقاب أية صدمة اقتصادية تُؤثِّر سلباً على الجميع، وهو ما أوجب توفير منهج مُسبق لتقييم المخاطر المُحتملة وإعداد تدابير شاملة خاصة شبكات الأمان الاجتماعي، قبل حدوث صدمة كُبرى.
وكونِ الرياض عاصمة عالمية بكامل المقومات والمُمكّنات التي شهد لها العالم وتفاعل معها رجال الأعمال والمُستثمرين الدوليين، ما يجعلها «فرصة كبيرة جداً لخلق نمو اقتصادي ضخم» عكس اختيار الأمير محمد بن سلمان، للنهضة التي إدارتها الرياض على كل المُدن. وهكذا انطلقت الرياض نحو حقبة حضارية جديدة لتكون متميزة دون منازع، حتى تسابقت الشركات العالمية إلى حجز مكانها مسبقاً للاستفادة من الوضع الاقتصادي لمدينة مثل الرياض، حتى تم توقيع اتفاقيات لـ24 شركة عالمية بإنشاء مكاتب إقليمية رئيسة لها في الرياض، وهو ما يمكنه أن يسهم في جذب ما قيمته 70 مليار ريال بحلول 2030 تقريبًا، كنتيجة متوقعة لمبادرة ولي العهد لجعل المدينة من بين أكبر عشر مدن اقتصادية على مستوى العالم.. مما أعطى دفعة مالية للاقتصاد السعودي، والتي تُقدِّرها المؤسسة الاقتصادية الرسمية بحسب وزارة الاقتصاد والتخطيط السعودية بما يراوح بين 61 و70 مليار ريال (16 إلى 18.6 مليار دولار) بحلول 2030 .