د. محمد بن صالح الحربي
أخذ المفهوم الحديث الحرب الناعمة (القوة والقدرة على الجذب والضم دون الإكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع) أبعاداً متسارعة في التنامي والتطور، بشكل لافت! وهي كما عرفها جوزيف ناي أستاذ العلوم السياسية (مساعد سابق لوزارة الدفاع الأمريكية للشؤون الأمنية الدولية): الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلا من الإرغام، وهي القدرة على التأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج والأهداف المتوخاة. وبالتالي هي إحدى ركائز وأدوات الإعلام الوطني للدول للتأثير في الرأي العام المحلي والدولي، وجزء مهم من عناصر القوة التقليدية (العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية)، وذلك في ظل ما يشهده العالم من زيادة لافتة لأعداد مستخدمي الإنترنت، والتي ستبلغ أربعة مليارات مستخدم بحلول 2021، أي ما يزيد على 51 في المائة من عدد سكان العالم، بعد أن بلغ هذا العدد مليارين و800 مليون مستخدم في 2014، علما بأن عدد مستخدمي الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا سيصل إلى أكثر من 500 مليون مستخدم بنهاية 2021، أي ما يعادل 27 في المائة من مجموع السكان، وبمعدل نمو سنوي مركب قدره 44 في المائة وذلك بفضل تنامي الطلب على الأجهزة النقالة، واستخدام الفيديو، وشبكات التواصل الاجتماعي، هذا ما كشفه تقرير توقعات مؤشر سيسكو (Cisco Visual Networking Index: Global Mobile Data Traffic Forecas) في مؤتمره السنوي للشبكات المرئية.
مواجهةًالحرب الإعلامية المضادة
هو مشروع منظم ومخطط له، بهدف تشويش الأذهان، والتأثير في العقل، كما في العواطف والمخيلة، وبذر الشك والفتن، لخلق الاضطراب، وهدم المعنويات عن طريق بث وتكرار الشائعات والمعلومات المغلوطة والملغومة والكاذبة والتلاعب بمحتواها بالتحوير والتغيير، وتزوير المعاني والمقاصد، وبالتالي فإن التضليل الإعلامي هو أحد أسلحة الحرب الناعمة، أي ما تقوم به الأجهزة الإعلامية على اختلاف أشكالها وأنواعها بصورة منظمة وممولة وموجهة لتضليل النخبة والرأي العام في ساحتنا.
من الأهمية أن نذكر أن الحرب الناعمة تدار من غرف تحكم وعمليات (control centers)، صممت خصيصا لأهداف أهمها:
1. رصد وتحليل الهاشتاقات والتغريدات في برامج التواصل الاجتماعي.
2. تحليل الأخبار المحلية والإقليمية والدولية عن طريق المصادر العامة.
3. جمع المعلومات عن طريق المصادر الخاصة وهي بشكل تسريبات.
4. صناعة الرموز والحسابات الوهمية وإدارتها لتتناغم وتتكامل مع توجيه الرأي العام المحلي والإقليمي ومن ثم توجيهها إلى الوسائل المعنية بالنشر والبث.
لذا، فإن الإعلام المعادي والقنوات المضللة تم توظيفها خاصة المرئي وشبكات التواصل الاجتماعي لاستهداف المملكة، وقد تم رصد حسابات تنشر بطريقة ممنهجة ما يعادل 90 تغريدة مسيئة للسعودية في الدقيقة الواحدة، أي نحو 130 ألف تغريدة مسيئة يومياً.
اعتمد الإعلام المعادي، عبر قنواته المضللة، مشروعه بأساليب مستنسخة ومنتقاة من نظريات (غوبلز) وزير الدعاية الألماني في عهد هتلر، وقام بتطويرها وتحديثها لتتوافق مع العصر والواقع الحالي، وأهم عناصرها: تزييف وتحوير المحتوى، التكرار، والتأطير (Framing Theory) وهذا أشدها خطورة! والذي من خلاله يتعمد سارد القصة أو الحدث وإبراز أجزاء معينة والتركيز عليها، وإغفال أو تجاهل أو طمس أجزاء أخرى؛ بحسب هوى المتحدث وميوله وموافقتها لسلم الأولويات في إعلامه المضلل.
وأطرح هنا مثالاً عاماً بسيطاً: عندما تزور صديقاً لك في بيته يسألك: تشرب شاه أو قهوة؟ فإنه يستحيل أن يخطر ببالك أن تطلب عصيراً - مثلاً - فهو قد جعل عقلك ينحصر في اختيارات محددة فرضت عليك إراديا، ومنعت عقلك من البحث عن جميع الاختيارات المتاحة، فالقوة الحقيقية لهذا الأسلوب جعلك تختار ما يريد! ودون أن تشعر!
لذا، فإن الأساليب متعددة في استخدام التأطير، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: حينما يطرح الإعلام المعادي خبراً محدداً مسيئًا للوطن، تنسبه إلى مصادر عالمية إخبارية شهيرة وناطقة بالإنجليزية، كنيويورك تايمز، الغارديان، أو الألمانية ديرشبيغل أو الفرنسية لوموند، لإيهام المتلقي بمصداقية الخبر، سواء كان خبرًا مزيفًا أو مجتزءًا من سياقه، أو صحيحًا في عنوانه العام، فإن جل المتلقين للخبر لن يجهدوا أنفسهم بالبحث والتقصي أو الترجمة، خاصة مع زحمة الأخبار المتسارعة والمتلاحقة وتنوع القنوات وتعددها.. إنه أسلوب التأطير!
والسؤال هنا: ماذا فعلنا وقدمنا للتصدي والمواجهة؟
لا بد لنا من الاستمرار في اتخاذ تدابير وقائية، غير تقليدية، مؤثرة وفاعلة ومساندة لأجهزة الدولة المعنية للتصدي ومواجهة الإعلام المعادي بأدواته وأساليبه، حيث إن قنوات التواصل الإعلامي والاجتماعي المذكورة آنفا لا تكفي وحدها الصد هذا المد الإعلامي المتشابك والمعقد.
من وجهة نظري، أرى أن يتم تفعيل خطة عاجلة مرحلية قصيرة المدى، تتضمن التواصل المباشر مع جميع فئات المجتمع، ومنها الشباب (المدارس والجامعات) وذلك لإيصال وتوضيح أساليب الإعلام المعادي بطريقة حديثة، جذابة، مختصرة وواضحة.
إنها الحرب الإعلامية، فهل نواجهها ونتصدى لها بشكل كاف؟