خالد بن حمد المالك
حسنًا ما أقدمت عليه المملكة من تعامل قوي وصريح وشجاع أمام تقرير أمريكي استخباراتي ابتزازي، حاولت إدارة بايدن أن تؤذي به المملكة وقادتها وشعبها، انتصارًا للعدل المزعوم والديمقراطية المزيفة، مع أنها لا تطبقه لا مع الشعب الأمريكي، ولا مع أي شعب آخر.
* *
وهكذا هي المملكة، لا تنحني إلا لله، ولا تخاف إلا منه، ولا تتسامح مع من يحاول أن ينال منها، أيًّا كانت قوته، ومهما كانت أهميته، دفاعًا منها عن الحق، وتصحيحًا لادعاءات تمس مصداقية المملكة، وتنال منها كدولة مستقلة، وذات سيادة، كما هو هذا التدخل السافر من خلال تقرير المخابرات الأمريكية، الذي امتلأ باستنتاجات مغلوطة، ومعلومات غير صحيحة.
* *
نستغرب أن تتجاهل أمريكا الجرائم الإسرائيلية اليومية المبرمجة بحق الشعب الفلسطيني، ولا يُسمع لها صوت أمام الإرهاب الحوثي، ولا يكون هناك صدى أمام ما يجري في سوريا والعراق ولبنان من قتل للأبرياء لدى الإدارة الأمريكية، بينما تركز اهتمامها، وردود فعلها على جريمة فردية لمواطن سعودي، قُتل على أيدي أفراد، لم يخولهم لفعل ما فعلوه مسؤول بذلك، ولم يكن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على علم بذلك.
* *
وإذا سلمنا بأن أمريكا رأت أن تدلي بدلوها في قضية مقتل جمال خاشقجي، وإن كان ذلك دون مبرر، وإن كان تقرير مخابراتها قد مُلئ وحُشي بكثير من الاستنتاجات غير الصحيحة، ألم يكن من باب التوثيق والتوازن أن يتناول التقرير موقف المملكة المشرف، وما اتخذته من إجراءات قضائية، انتهت بتجريم الفاعلين، وإدانتهم، وصدور أحكام قضائية بحقهم بحضور دولي، ومشاركة أسرة المرحوم بالحضور أيضًا، إلا أن يكون وراء هذا التقرير ما وراءه من استهداف للمملكة، وتسييس للقضية؟!
* *
المملكة تنظر إلى هذا التقرير وكأنه لم يكن؛ كونه يخالف الأعراف، ويفتقر إلى الدليل، فضلاً عما جاء فيه من استنتاجات تخالف كل ما جاءت به المعلومات والاعترافات خلال التحقيقات والمحاكمات مع الجناة. على أن المملكة لن تفرط بعلاقاتها التاريخية مع أمريكا بسبب تقرير لا يخدم مصلحة الدولتين، وإنما سيعزز هذا التقرير من ثبات المملكة على الشراكة الاستراتيجية مع أمريكا، ومواجهة التحديات التي ستكون بين الرياض وواشنطن.
* *
ولعل الإدارة الأمريكية تابعت ردود الفعل الشعبي في المملكة العربية السعودية، الرافض لهذا التقرير، والمتمسك بقيادته، مؤيدًا مواقفها، وما تتخذه من قرارات، وأنه لم يتأثر بمحاولات تسييس قضية الخاشقجي، بل إنه وجد في هذا التقرير فرصة جديدة لمساندة قيادة المملكة، والوقوف إلى جانبها.
* *
وإذا كانت أسرة جمال خاشقجي - وقد حضرت كل جلسات المحاكمات - قد عبّرت عن رضاها عن الإجراءات القضائية التي تم اتخاذها للتعامل مع القضية، وأن أفرادها عبّروا بأن أحكام القضاء كانت عادلة، وأنها تمثّل رادعًا لكل مجرم ومسيء، فماذا يهم المملكة أن يصدر من واشنطن تقرير بائس، أُريدَ بإعلانه فتح ملف هذه القضية من جديد بعد أن طُوي إثر صدور الأحكام القضائية النهائية بحق الجناة!
* *
وضمن حديثنا عن هذا التجني في تقرير المخابرات الأمريكية، دعونا نسأل البيت الأبيض: هل نسيت أمريكا ما حصل للعراقيين على أيدي جنودها خلال احتلالها للعراق في سجن (أبو غريب) من جرائم أخلاقية وإنسانية؟ وهل يمكن استنتاج ما حدث في ذلك السجن على أنه تم بعلم وموافقة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، أو نائبه، أو حتى وزير الخارجية، مثلما تم استنتاج مقتل الخاشقجي - وفقًا لتقرير (السي آي إيه) - على أنه بموافقة وتوجيه من ولي العهد، في تقصد للأمير محمد بن سلمان الذي تؤكد كل الشواهد والاعترافات أنه لم يكن على علم بما حدث؟!
* *
نأمل من البيت الأبيض، ومن الرئيس الأمريكي جو بايدن تحديدًا، ألا تؤثر هذه الاستنتاجات غير المبررة وغير الصحيحة على العلاقة التاريخية بين بلدَينا، وألا يُعطي هذا التقرير فرصة لأعداء بلدَينا للإساءة لهما. أما المملكة فسوف تبقى ثابتة في احترامها وتمسكها بهذه العلاقات، كما أنها لن تقبل بحال من الأحوال أن تجرَّم، وتمتد الإدانة في قضية الخاشقجي لمن لا ناقة لهم فيها ولا جمل!