د. محمد بن يحيى الفال
تقرير الاستخبارات الأمريكية عن مقتل جمال خاشقجي الذي مررته إدارة فخامة الرئيس بايدن للكونجرس الأمريكي في السادس والعشرين من فبراير، والذي يقع في أربع صفحات فقط إحداهما عنوان التقرير، ليس إلا استنتاجات غارقة في ظرفيتها بلا أدني قرائن أو حقائق يُعتد بها، وهو الأمر الذي لم يكن متوقعاً من حليف تربطه بالمملكة علاقات تاريخية واستراتيجية متجذرة، وعليه فلم يكن مستغرباً أن أصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً واضحاً ترفض فيه جملةً وتفصيلاً ما جاء في تقرير الاستخبارات الأمريكية عن الجريمة الشنعاء التي تعرض لها جمال خاشقجي -رحمه الله-.
لو نظر معدو التقرير في الحقائق عوضاً عن الخيال لوجدوا ما يفنِّد تقريرهم بادئ القول، فعلى المستوي المحلي فالحادث وكما وضحت النيابة السعودية بعد وقوعه بأنه سلسلة من الأحداث المؤسفة كانت محصلتها النهائية تعرض جمال خاشقجي لجريمة بشعة مرفوضة شرعاً في دولة تطبق شرع الله الذي يؤكد على حفظ الضرورات الخمس الدين، النفس، العقل، العرض والمال. ويتضح ذلك للعيان من خلال تطبيق عملي تسير وتحافظ عليه قيادة المملكة التي اجتمعت بعد مقتله -رحمه الله- بفترة وجيزة بعائلة الفقيد وقدمت لها التعازي، وبالكاد مرت أسابيع عدة من الجريمة البشعة حتى صدرت أوامر ملكية عليا بإعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات السعودية، مع إعفاءات طالت عدداً من كبار مسئوليه.
على المستوى الدولي وحرصاً من المملكة على علاقتها بشقيقتها الجمهورية التركية، وكون الجريمة الشنعاء وقعت على أراضيها وإن كانت القنصلية السعودية في إسطنبول وكما تؤكد على ذلك كافة المعاهدات الدولية تعتبر أراضي سعودية ضمنياً، وحرصها كذلك على الالتزام بالقانون الدولي بكونها دولة مؤسسة للأمم المتحدة وفي بادرة حُسن نوايا للأخوة في تركيا سمحت بأن يحضر الدبلوماسيون المعتمدون في المملكة جلسات المتهمين في جريمة مقتل خاشقجي. صدرت الأحكام وارتضت بها عائلة الفقيد - رحمه الله - ليأتي التقرير المكون من أربع صفحات مغرقة في الأدلة الظرفية محاولاً نسف كل ما تم من جهد مخلص وبشفافية تامة قامت بها حكومة المملكة العربية السعودية؛ انطلاقا من حرصها على سلامة وأمن مواطنيها وتطبيقاً لالتزاماتها الدولية.
من المؤكد أن التقرير في حالة تمرير الكونجرس عقوبات على ضوئه تستهدف 76 من الأفراد السعوديين صدرت ضد بعضهم أحكام من القضاء السعودي وبشهادة دولية سوف يشوش على مسار العلاقات السعودية - الأمريكية، وهو الأمر الذي تحرص قيادة البلدين على عدم حدوثه، أولاً لكونها علاقات متينة ومتجذرة ومثالاَ نموذجياً يحتذى به في التعاون بين حلفاء، وأثبتت عقودها الثمانية بأنها أثمرت عن نتائج غاية في الإيجابية صبت في مصلحة البلدين وفي مصلحة السلم والأمن الدوليين، وثانيهما وهو المهم هنا بأن علاقات البلدين الصديقين صمدت أمام عوائق شائكة لقوة ومتانة تحالف المملكة مع الولايات المتحدة، والآن وبتقرير وكالة الاستخبارات الأمريكية حول مقتل خاشقجي -رحمه الله- فكأن التاريخ يعيد نفسه فيبدوا أن محركه الضغوط السياسية الأمريكية الداخلية، بسبب الصراع المحموم وغير المسبوق الذي شهدته الولايات المتحدة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020، وهو أمر داخلي رأينا أقسي نتائجه باقتحام بعض الرعاع من أنصار الرئيس ترامب مقر الكونجرس معقل الديمقراطية الأمريكية خلال جلسة فرز أصوات المجمع الانتخابي، والذي أكدت نتائجه الواضحة فوز فخامة الرئيس جو بايدن بمنصب الرئاسة وبفارق عدد أصوات غير مسبوق يقدر بحوالي ثمانية ملايين صوت.
تقرير وكالة الاستخبارات الأمريكية مؤسف، ويأمل كل صادق في استمرارية العلاقة الاستراتيجية بين المملكة وأمريكا أن يتم تجاوزه من قبل المشرعين الأمريكيين، فكل ما عليهم هو النظر للحقائق فهي واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وبيان وزارة الخارجية السعودية جاء ليضع النقاط على الحروف بأن المملكة «ترفض أي أمر من شأنه المساس بقيادتها وسيادتها واستقلال قضائها»، وهو موقف ثابت لا يتغير أبداً.