عبدالعزيز السماري
على الرغم من الزيادة الأخيرة في الاهتمام بالفلسفة حول الجهل، لم يحصل اهتمام كبير لمسألة ما الذي يجعل من الممكن للكائن أن يدرك جهله، ومن أجل أن يدرك الكائن جهله، يجب أن يكون لديه القدرة العقلية على تحديد أو تمثيل شيء ما على أنه غير معروف له، لعل هذه العبارة تختزل نظرتنا للأشياء من حولنا، وهي القدرة على تحديد ما نجهله، وأن ما ندعي معرفته قابل للتغيير، فالحقيقة كائن متغير لكنه ثابت في مضمونه، وعلى سبيل المثال تمثل الطاقة حقيقة ثابتة لكنها متغيرة ومتطورة في مصادرها، وهو ما يفتح الباب لأن نعمل على تطوير نظرتنا للأشياء من حولنا، وبالتالي نحلق بالركب الإنساني.
بالنسبة للبشر البالغين العاديين الذين يتقنون لغة واحدة، يتم تمكين التمثيل العقلي للمجهول من خلال تكوين تعبيرات لغوية ثابتة، ويتم استيعاب محتواها من قبل الآخرين، ومع مرور الوقت تتحول تلك الكلمات إلى يقين يصعب تغييره، وهو ما يقف حائلاً ضد تطور العقل الإنساني، وأزعم بعد ذلك أن محتوى الجهل يمكن دائمًا التقاطه من خلال ثقافة الأسئلة، ومحاولة النظر إلى الشيء من زاوية أخرى، وحتى عندما ينتج للمرء معرفة مؤكدة حول أمر ما، فإنه لا يقضي دائمًا على جهل المرء، إذ إن هناك درجة من الجهل في كل شيء تقريبًا ندعي معرفته.
كل كائن لديه كمية من الجهل لكثير من الأشياء من حوله، لكن فقط البعض لديه القدرة على إدراك جهله، وحتى بالنسبة لهم، لا تمارس هذه القدرة إلا في بعض الظروف الخاصة، ولكي يدرك الشخص جهله، يجب أن يكون في حالة غريبة من إدراك أنه لا يعرف شيئًا، ولكن كيف يمكنك تمثيل شيء ما عقليًا وأنت لا تعرف الشيء نفسه الذي تمثله؟.. على الرغم من أن هذا السؤال لم يلفت انتباه الفلاسفة، إلا أن أفلاطون صاغه في أحجيته الشهيرة: كيف يمكن الاستفسار عن شيء ما؟ إذا كنت تعتقد أنك تعرفه جيداً، لذلك لن تحتاج إلى الاستفسار عنه، وإذا كنت لا تعرفه، فأنت لا تعرف ما الذي تستفسر عنه..لذلك نحتاج أن نتعلم مقدمات حول مختلف الأشياء.
جزء من مشكلتنا المعرفية أننا نفكر من خلال دوغمائية أي يقين راسخ حول الأشياء من حولنا، وما أن نعالج هذه النظرة الأحادية، قد نخترق حاجز الجهل والتخلف إلى مرحلة إثارة الأسئلة، ولو تتبعنا التطور العلمي في الوسائل من حولنا لأدركنا مدى الجهل المتراكم حول العقول، ولو تمت التعامل مع الحقائق العلمية السابقة على أنها نهائية، لما تطور العلم، ولما تطور «الراديو» إلى هذه السلسة اللامتناهية في وسائل الاتصال، في نهاية الأمر هل نكسر حالة الجمود الذهني في العقل العربي، وهل نعمل من أجل البحث عن حلول متطورة لإنقاذ الأرض من الجفاف، ومن أجل توفير الطاقة النظيفة للجميع، وقبل ذلك أن نقلل من حالة اليقين التي نعيشها من أجل فهم أكثر، ومن أجل غاية التعايش السلمي مع الآخرين.