م. بدر بن ناصر الحمدان
بمجرد أن تحضر كلمة «إطلالة» في حجوزات الفنادق ودور الإيواء والمنتجعات وعروض بيع أو تأجير الفلل وشقق التمليك وغيرها من تداول الأصول، ما إن تقفز القيمة السوقية إلى الضعف نظير الميزة النسبية أو التنافسية لإطلالة ذلك المكان سواء كان على بحر أو نهر أو حديقة أو معلم مميز في المدينة، الأمر بمقياس أصغر يمتد في بعض الأحيان إلى مكان طاولة في مطعم أو شرفة كابينة في استاد رياضي أو بالقرب من نافذة الطائرة أو القطار.
الإنسان بطبعه البشري مرتبط بشكل فطري مع الطبيعة كونها جزءًا لا يتجزأ من وجوديته التي نشأ عليها، ومع تطور عمران المدن وبيئتها المبنية بدأت عناصر هذه الطبيعة في الانحسار التدريجي، ومعها بدأ تضييق الخناق على الفضاء المفتوح جراء ظهور الكتل العمرانية التي شكلت تركيبة تلك المدن وأصبحت مكتظة بكل شيء، وبات البحث عن مسافة بصرية ممتدة هي الشغل الشاغل لمتذوقي الحياة بطبيعتها حتى لو كان ذلك مقابل ثمن مدفوع.
أحد الأصدقاء خاض تجربة تجسد سيناريو الانفصال عن الطبيعة، كانت أشبه بدراما عمرانية، إذ قرّر ذات يوم شراء قطعة أرض ليبني عليها منزل الأحلام، وحرص حينها أن تكون في أطراف الحي ليتمكن من تصميم منزله بإطلالة أمامية تمكنه من التواصل مع الطبيعة مباشرة، واختار موقعًا مميزًا باعتبار أن الأرض المقابلة عبارة عن شارع تليه منطقة خضراء بموجب تخصيصها في المخطط العام للمدينة التي يقطنها، أنجز بناء منزله وبات مستمتعاً بقضاء أوقات جميلة في تلك الإطلالة التي كان يحلم بها، بعد سنوات طرأ تحديث على مخطط استخدامات الأراضي لتلبية الطلب المتزايد على المرافق والخدمات والاستثمار وتحولت تلك الإطلالة المفتوحة إلى منطقة تجارية وبُني عليها حزمة من الكتل الخرسانية المتعددة الأدوار منعت عنه الشمس والهواء وأصبح في مواجهة جدران صماء شاهقة مملوءة بالضجيج.
من الواضح أن عقلية الاستحواذ على أعلى معدلات الاستفادة من الأراضي لصالح البناء سيطرت على نمط تخطيط المكان في كثير من المدن، وتلاشت معها عوامل الإطلالة تلك، وأصبحت الأحياء السكنية مجرد قوالب مغلقة يعبأ فيها الناس دون أي اعتبار لحاجتهم للتفاعل مع الطبيعة، الأمر لا يقتصر على ذلك فحسب، فبعض المدن لا تفي بالتزاماتها تجاه عدم تغيير استخدامات الأراضي التي كانت جزءًا من معايير الناس لاختيار مكان عيشهم.
إطلالة المكان، على مستوى الوحدة العمرانية أو المجموعة السكنية أمر في غاية الأهمية، فهي أحد أهم مقومات جودة الحياة داخل البيئة السكنية، إلا أن كثيرًا من المدن لا تولي هذا الجانب أولوية في اختيار الموقع العام أو حتى مراعاة اتجاهات المباني ونسب المناطق الخضراء وارتباطها بفراغات عمرانية وطبيعية تُمكّن من إحداث هذا التفاعل بين المساحات المبنية والمفتوحة، وهذا راجع بالدرجة الأولى لإغفالها للمعايير التخطيطية والعمرانية أو ربما عدم المعرفة بها.
لنتأكد من جودة الحياة في الحي الذي تسكن فيه، أخبرنا عن إطلالة منزلك؟