عبده الأسمري
بين «أمانة» المؤرخ ومكانة «الأديب»، ووسط براعة «الفيلسوف» وشجاعة «الشاعر» أقام صروح السيرة أمام بصر «الناظرين»، وأنجز طموح المسيرة حول نظر «المتبصرين»..
سكنه التاريخ فكان «الابن البار» لكل تفاصيل التوثيق.. وجذبه «الأدب» فظل «المثقف الوفي» لشتى مفصلات التشويق..
امتهن «الصحافة» وتفرّد بالحصافة، وانفرد بالإضافة في معادلات «التنوع» ومتراجحات «التنويع»..
كتب جمله «الفعلية» في قواعد «التأثير» بأفعال مبنية على «المتون» كان فيها «الفاعل» المرفوع بالهمة، الذي عاش تحت أفياء «التمكن» وسار وسط «استيفاء التمكين» فكان «البارع المكين» الذي ملأ أرض الحجاز بصدى «الاعتزاز» وأبهر آفاق الوطن بأصداء «الإنجاز»..
إنه الأديب الكبير والقامة الثقافية محمد حسين زيدان -رحمه الله-، أحد أبرز الرواد في المجال الأدبي والثقافي والمعرفي على مستوى الوطن والخليج.
بوجه ممتلئ، وسحنة مدينية مسجوعة بالتهذيب وملامح تتوارد منها سمات «الفضل»، وصفات «النبل»، وعينين واسعتين تسطعان حين «التأثير»، وتدمعان حيث «التأثر»، وقامة متوسطة ومحيا عامر بالتأدب، يتكامل مع أناقة وطنية تعتمر البياض، وصوت جهوري بلكنة حجازية، وسكنه مجازية مملوء باللغة الفصيحة ومكتظ باللهجة الحصيفة المتعامدة على عبارات تاريخية واعتبارات أدبية وتعابير فلسفية.. قضى زيدان من عمره عقوداً راكضاً بين دروب «العلم» و«العمل»، ممتطياً صهوة «السداد»، ملوحاً بكف «الوفاء»، واقفاً في صف «العطاء»، مسكوناً بالوقائع، مفتوناً بالحقائق، مجللاً بعشق «التراث»، مكللاً بعبق «الإرث»، ليكون قامة أقامت «أركان» البدايات وقيمة أنتجت «أرقام» النهايات.. وعلماً في حضور «الذاكرة» ومعلماً في حضرة «الاستذكار».
في المدينة المنورة ولد في «حوش خميس» الشهير عام 1324 وتناقلت مساءات «يثرب» بشارة «الخبر» في فرح ملأ سماء الحي العامر بالألفة الغامر بالتالف.. وتجرع اليتم باكراً بوفاة والدته، فتفحت عيناه على جدته «ميثاء الضويان» كفيفة «البصر» وافية البصيرة التي ملأت قلبه بالحسنى وغمرت داخله بالمحاسن.. وعاش متيماً بحبها مشتاقاً لأبيه الذي كان في رحلة مع تجار العقيلات بمصر والشام، وركض زيدان بين أحياء باب المجيدي وقباء والعزيزية، موجهاً بوصلة نهاراته إلى المسجد النبوي الذي تعتقت فيه روحه بدروس القرآن ومناهج الحديث، وامتلأت عروقه وسطه بشربات زمزم.. وظل زيدان مولياً قبلته شطر «روحانية» الطهر في الروضة الشريفة، متيمناً بخشوع المكان، ومتيماً بهجوع الابتهال..
تعلم القراءة في سوق الحراج في بداياته، ثم دخل الكتّاب في أوقاف السقاف في سن الثامنة، ثم توفيت جدته وانتقل مع والده وأسرته إلى ينبع النخل بعد إجلاء الأهالي من المدينة، ودرس في عدد من الكتاتيب هناك، ثم عاد إلى المدينة المنورة، ودرس وواصل تعليمه في حلقات المسجد النبوي، وعمل مدرساً في عدة مدارس، ثم عمل بعدها مدرساً في دار الأيتام براتب 35 ريالاً، وبعدها انتقل إلى مكة وعمل مدرساً للأيتام وسكرتيراً لمطوفي جاوة، ثم التحق بعدة وظائف بوزارة المالية حتى عُيّن رئيساً لها، وعمل مديراً عاماً لشؤون الرياض، وعمل مفتشاً عاماً لإدارة الحج، ترك العمل الحكومي ليتفرغ للعمل الصحفي، حيث ترأس تحرير صحيفتي البلاد والندوة، وعُيّن مساعداً لأمين رابطة العالم الإسلامي، وعُيّن عضواً في مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز ورئيساً لتحرير مجلتها..
عكف زيدان على التأليف، وكان إنتاجه حوالي 20 كتاباً، تعددت وتنوعت في مجالات الأدب والثقافة والمعارف والتاريخ والتراث، ومثل المملكة في عشرات المؤتمرات والمناسبات، وتم تأليف عدة كتب عنه وعن فكره، وتناولت تاريخه وحياته العديد من البرامج المتلفزة.
تعب آخر حياته وداهمته الأمراض، وتوفي في منزله بجدة في التاسع والعشرين من شهر شوال لعام 1412، ووري جثمانه ثرى مكة المكرمة الطاهر حسب وصيته.. بعد عمر حافل بالنماء الفكري والسخاء المعرفي، انعكست بثراء تعليمي وإثراء أدبي، أسهم في رسم خرائط «الاقتداء» وتحديد طرائق «الاحتذاء» لأجيال متعاقبة اتخذت من تراثه دهراً للثبات ومن إرثه مهراً للإثبات.
بين المدينة «أصل الانتماء»، وينبع «ذكريات الصبا»، ومكة «قبلة الدنيا»، والرياض «موطن المسؤولية»، وجدة «المحفل الأخير».. ترك أسرار كفاحه واعتبار نجاحه قصصاً للإلهام ونصوصاً للمهام..
قدم وشارك في برامج تلفزيونية وإذاعية، وامتاز بقوة الحجة ولطف العبارة، وجودة اللفظ، وإجادة المعنى، وتأنق الحديث، وتألق الحضور.
وأبلى بلاءً حسناً في تخليد «وثائق» الأحداث والأحاديث، وتمجيد «مواثيق» المحبة والصداقة في أزمنة طيبة الطيبة، وامتدادات الحل والترحال في أبعاد التواجد والوجود..
توّجته وكرّمته المنصات في مناسبات عدة ولا تزال أعماله ومعالمه «ينبوعاً» لم ينضب من عطايا «الفكر»، وبشائر «الذكر»، وبقى صيته «نبعاً» معرفياً روت منه جداول «العقول»، وارتوت منه محافل «الأدباء»..
الشيخ محمد حسين زيدان «الاسم» الشهير المقيم في سجلات «القدوة» و«الرقم» الصحيح الناتج من مساجلات «الحكمة» و«الحكيم» القائم في صفوف «الذاكرة».