عمر إبراهيم الرشيد
يظل التاريخ استاذاً يلجأ إليه من يرومون فهم ما يجري في العالم، من تحولات وحوادث سواء على مستوى الدول أو المجتمعات. من أبرز الظواهر والمعضلات الاجتماعية على مستوى العالم ومنذ قرون هي أزمة الأمريكيين الأفارقة، وربما لن يدرك عمقها وعذابات أصحابها إلا من قرأ أدبياتهم وأشهر الروايات التي حولت إلى عشرات الأعمال السينمائية والتلفزيونية، ومن أشهرها رواية (كوخ العم توم) للكاتبة هيريت ستو. نشرت الرواية عام 1852 م فأصبحت أكثر الكتب مبيعاً بعد الانجيل وأشهر الروايات في ذلك القرن، حتى أن الرئيس الأمريكي ابراهام لنكولن اجتمع بالمؤلفة في البيت الابيض وقال لها مازحاً (إذاً هذه السيدة الصغيرة هي المسؤولة عن هذه الحرب الكبيرة) ويقصد بدء المطالبة بالغاء الرق في خمسينات القرن التاسع عشر، لأن هذه الرواية أسهمت لاحقاً في اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية عام 1865 والتي نشبت بسبب الغاء الرق بقرار الرئيس الحكيم ابراهام لنكولن. الرواية اقتبستها المؤلفة من مذكرات لرقيق سابق هرب إلى كندا هو جوسايا هنسون (مذكرات جوسايا هنسون) ومما جمعته المؤلفة من قصص حقيقية لرقيق سابقين رجالاً ونساءً، نتج من كل هذا روايتها الشهيرة تلك. ورواية (الجذور) لأليكس هالي حفيد صاحب القصة الحقيقية وهو المسلم الغامبي (كونتا كنتي)، والتي غدت من أشهر الأعمال الأدبية حين نشرت عام 1976م، وهي رواية مبنية على ما حدث لجد أسرة المؤلف في القرن الثامن عشر وتحديداً عام 1761م، حين أسر بطريقة الاصطياد من أدغال غامبيا وتم نقله مع 140 من مواطنيه في عنبر سفينة ليقضي 60 منهم ويرمون في البحر، ويصل مع الناجين من الموت ويتم بيعه لأسرة برجوازية بمبلغ 750 دولاراً كأعلى سعر حينها . قصة كفاحه المرير ألهمت الملايين من الأفارقة هناك ومنهم أحد احفاد أسرته لتخرج تلك الرواية (الجذور) والتي لا تزال تباع وتقرأ من قبل الجماهير عبر العالم.
ومن الشخصيات التي يجهلها الأكثرية اليوم شخصية الأمير الأفريقي عبد الرحمن بن ابراهيم بن سوري الذي كان أميراً في مملكة غينيا الإسلامية، نهض في احدى الليالي ليستيقظ على الحرائق التي أشعلها تجار الرقيق الإنجليز في أكواخ السكان لياسروا بعدها الهاربين من ألسنة اللهب، ثم ليجد نفسه أسيراً معهم وينقل عام 1788م في سفينة ويباع في أمريكا. ظل هذا الأمير الإفريقي يعمل في حقل للتبغ عند سيده الأبيض مدة 40 عاماً، لكن هذه السنوات التي التهمت شبابه في العبودية لم تنل من عزمه، فعكف على تعليم القرآن الكريم لأبناء جلدته ثم اصبح إماماً للمسلمين في ولاية أوهايو الأمريكية. وعندما ذاع صيته هناك طلب الرئيس الأمريكي (جون كوينسي آدمز) مقابلته واستمع لقصته فأصدر أمراً رئاسياً بتحريره كأول قرار يصدر من هذا النوع. لم يعد هذا الأمير إلى وطنه مباشرة بل شرع في توعية أقرانه والمسلمين السود هناك بدينهم وبأحقيتهم في الحرية. وحين بلغ 67 من عمره عاد إلى وطنه غينيا ليجد أمه هناك وقد فقدت بصرها فيرتمي بين أحضانها وقد اختلطت دموعه بدموعها، ثم يتوفى بعدها بفترة وجيزة ويدفن في وطنه بعد رحلة طويلة من العبودية تحرر منها بفضل الله ثم صبره وجلده. الرواية الرصينة سجل تاريخي واجتماعي وليست مجرد خيال محض، واذا أردتم أن تقرؤوا مجتمعاً ما قراءة واعية فاقرؤوا رواياته، إلى اللقاء.