وفاء سعيد الأحمري
هناك دائمًا لبس بين مصطلح التنمية البشرية والتنمية الذاتية. التنمية البشرية هي مقياس تقدم الدول ومؤشراته، تعتمد على حسب مستوى التعليم والصحة والأمن والثروة والمساواة والحقوق والسلامة البيئية، ومؤشرات أخرى كثيرة تصب كلها في فكرة تويسع خيارات البشر للعيش الكريم. تحتل النرويج رقم واحد في التنمية البشرية، يليها إيرلندا ثم سوسيرا بحسب التقرير الدولي للتنمية البشرية الصادر عام 2020 من منظمة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. جزء من التعليم هو تطوير الذات أو ما يُسمى التنمية الذاتية، ويوازيها التعليم المستمر. فالاختلالات في الكوكب البشري تحسنه التمنية البشرية، وهي مهمة الدول بينما عدم الاتزان على مستوى الأفراد والمجتمعات الصغيرة قد تحسنه التمنية الذاتية وتطوير الذات، وهو دور الأفراد أنفسهم.
التنمية الذاتية هي معرفة ووعي الأشخاص بأنفسهم وقيمهم ومعرفة كيف يستطيع كل فرد الاستفادة القصوى من نقاط قوته, وكيف يتعرف ويحسِّن نقاط ضعفه. تطوير الذات هو الوعي، وهناك فرق بين الواعي وغير الواعي. إن تكون واعيًا يعني أن تعي داخلك جيدًا قبل محيطك. ثم تكون واعيًا بمن حولك وما يحيط بك في عالمك. وبالوعي أنت تتقدم وتصل إلى الذي تريد وتتعلم التركيز وتحديد الأولويات وتحقيق الأهداف والعديد من المهارات التي لا حصر لها.
وأيضًا هناك لبس آخر بين علوم التنمية الذاتية وتطوير الذات بعلوم أخرى شرقية كالطاقة الحيوية، ولست بصدد الحديث عنها, بينما هما مختلفان في المفهوم والمبدأ وإن كان بينهما بعض أوجه الشبه. لكن أحيانًا هذا اللبس أو رفض فكرة التنمية الذاتية له أسباب عدة، منها عدم تمكن الأشخاص المتحدثين بهذه العلوم والمبالغة في طرحها بشكل غير صحيح لا يحاكي الواقع, مما يحدث نفوراً من المستمع أو القارئ.
عن طريق تطوير ذاتك تبدأ رحلة تغير واقعك، ولكي تغير هذا الواقع لابد أن ترسم وتخطط وتتعلم كيف ومن أين تبدأ؟ وإلى من تتوجه؟ وإلى من تقرأ؟. ابحث عن المصدر الصحيح وتعرَّف على نفسك جيداً لتعرف كيف تستخدم وتركز على استخدام جميع مهاراتك، فكما قال روبن شارما, وهو مدرب كندي معتمد في التنمية الذاتية وتدريب القادة المهمين أن (رحلة التغيير بدايتها صعبة, ومنتصفها فوضى ونهايتها عظيمة). في تعليمنا التقليدي لا يوجد هذا النوع من التعليم الذي يشجع الطلاب على معرفة ذواتهم واكتشاف أنفسهم وتوجهاتهم. هنا يظهر دور مدرب الحياة أو ما يسمى (لايف كوتش- life coach). مهمة مدرب الحياة أشبه بالشخص الذي يخبرك عن أحوال الطقس لتستعد بالأدوات المناسبة لك. مدرب الحياة يساعدك في التعرُّف على الطقس الخاص بك, هل هو شتاء؟ أم صيف أو ربيع معتدل أم خريف؟ وبحسب الطقس تأخذ الأداة المناسبة رداءً واقيًا أو مظلة أو قبعة، فلكل شخص طقسه وأداته الخاصة. لاحظ قلت (يساعدك) لكن لن يقدم لك الأدوات بل أنت من تكتشف طقسك وأداتك المناسبة. مدرب الحياة ليس مستشارًا نفسيًا ولا يأخذ دورك في اتخاذ قراراتك. لكن يساعدك أن تتعلم مهارات معينة ويساعدك في فهم ذاتك أكثر وتوسيع مداركك. هو شخص تناقشه وتسمح معه لفكرك بالحديث وعقلك بتوسيع خيارته. هو طرف محايد يسألك ويقترح عليك أدوات ويراك من زاوية أخرى ليست الزاوية التي تنظر منها. مدربو الحياة لهم مراكز عالمية مصنفة ومعتمدة عالميًا تدرسها وتعتمدها العديد من المنظمات الدولية. ولهم تخصصات عديدة منها مدرب حياة للقادة ورجال الأعمال, ومدرب حياة شخصي وآخر متخصص في العلاقات. وهناك أيضاً مدرب حياة صحي يساعدك على الاهتمام بصحتك بشكل أفضل. العديد من الشركات العالمية والجامعات المتقدمة تعتمدهم للتدريب وتطوير موظفيها وأعضائها. وكتجربة مني شخصيًا مدربتي اليزابث خبرة 20 عامًا في هذا المجال عندما التقيتها كانت من أفضل وأروع الشخصيات التي ساعدتني على اكتشاف جوانب قوة لديَّ كان لها الأثر في تقدمي على المستوى الشخصي بداية ابتعاثي. الجميل أنني صادفت من المتدربين لديها العديد من الشخصيات المهمة جدًا من مديري جامعات وبنوك ورجال أعمال، وبالتالي فإن رحلة التغيير والاستشارة الدائمة هي من سمات الناجحين الواثقين. ومهمة لجميع الفئات ولما كان هؤلاء الناجحون يرغبون بالمزيد من التطوير والتقدم وهم قد حققوا مراكز عالية وإجازات مهمة فقد كانت لديهم الرغبة بالمزيد من التطور والتحسن. وكموقف جميل أختم به هذه المقالة أن مدربتي اليزابيث أطلقت عليه لقب (صقر ورد الربيع) في آخر لقاء معها، وقالت لديك هذه الصفات فاستغليها في دراستك وتوجهك ومستقبلك القادم, فإنت كصقر له أجنحة تطير فوق ساحة من الورد ويستمد قوته من أجنحته الصلبة ويأخذ قوة أيضًا من الورد الذي بداخله وحوله, وكانت كلماتها هذه كمفتاح باب سعادة، وتلاها بعد ذلك بفضل من الله وكرمه أبواب عدة من النجاحات المتتالية.
** **
محاضرة بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن - باحثة دكتوراه - المملكة المتحدة