نجلاء العتيبي
ربما كان هو الحوار الأطول والأعمق معها. ثرثرة بنكهة مختلفة. خوف مغلف برجاء.
ماذا أصابها اليوم؟
لا يمكن لشخص صامت هادئ مثلها أن يخرج عن صمته إلا عند إحساسه بالاختناق. لم تجد حرجاً في إبداء بعض من عواطفها.
عادة يتحدث البشر عن شجون وأحزان غيرهم محاولة للهروب من أنفسهم بأسلوب مراوغة، يجعل الكلمات تحتضر؛ تغيب للأبد في طي الكتمان.
تبوح اليوم بصوت تخنقه العبرات، تحاول إخفاء دموعها.
انهارت.. أجهشت بحرقة..
لا أحد عصيّ على البكاء يا خديجة حتى وإن كنا كبارا.ً
تصرخ كطفل انتُزع من أحضان والديه.
تقول:
كيف أغادر وأترك أرض الحرمين المباركة، مهبط الوحي، مهوى الأفئدة؟
السعودية مكاني سنين عمري؛ لا أعرف بلداً غيرها.
يثقل على قلبي أن يشكو أحدُهم ولا يجد مجيباً.
كيف لي أن أكسر قلبها المتشبث بنا.
لا أستطيع الوقوف معها معترضة على رغبة والدتها بعودتها إلى ديارها.
وقفتُ حائرة بين الحيادية التي يجب عليّ الالتزام بها حتى لا تتعلق بأمل ضعيف، والحقيقة التي يجب عليها إدراكها بالسمع والطاعة لأمر والدتها.
كم تمنيت أن يمنحوها الاختيار.
بين الأمنيات والواقع معاهدة عدم الالتقاء.
رددت: هُنا الأمان، هُنا الأمان.
الأمان الذي وجدته جعلها تشعر بالانتماء الشديد والطمأنينة لكل ما حولها.
بدون أمان لا يستقر المرء، ولا يهنأ؛ ولهذا فإن عدم الاستقرار يجعل الإنسان مضطرباً مشتتاً وخائفاً من المستقبل حتى لو كان بجنة غناء.
المملكة الأكثر أماناً. الأمن نعمة عظيمة، لا يعرفها إلا من حُرم منها.
بفضل من الله ننعم به بكل تفاصيل حياتنا في كل الأوقات ونحن آمنون.
عندما نتحدث عن أمننا وشعورنا به لا نقول غير الحقيقة الواضحة المتجسدة على أرض الواقع: احتلت المملكة العربية السعودية الحبيبة المرتبة الأولى من بين دول مجموعة العشرين في مؤشر شعور السكان بالأمان أثناء السير بمفردهم ليلاً، والمرتبة الأولى في مؤشر ثقة المواطنين بخدمات الشرطة، فضلاً عن الأمان في كل شيء.
مَن يلوم خديجة في حب وطني، وطن الجميع؟
لا يوجد تعلق بشيء بدون سبب.
عفواً، لا أستطيع مساعدتك هذه المرة.. فعند رضا الأم تسكت كل الأصوات.
في وداع الرحمن، فقد حان الرحيل.
ضوء:
دعوني فقد هام الفؤاد بحبه
وما منيتي إلا الحياة بقربه
فليس له بين البلاد مشابه
وكل بني الإسلام تحدو لصوبه
ومعروفة عم البلاد جميعها
وطاف نواحي الكون ماح لكربه
- (الشاعر حسن الزهراني)