عبد الرحمن بن محمد السدحان
* سُئلت ذات يوم: (متى بكيت آخر مرة؟)، فاجأني السؤال، وكدت من فجائيته أن أبكي حقًا، ويوم كنتُ طفلاً في حضن جدي لأمي -رحمهما الله- كنت أبكي لأتفه سبب، وكان البكاء لغتي إذا تعطّلت عندي لغة الكلام! ويبدو أنني استنزفت مخزن الدمع في مقلتي وناظري، فلم أعد أجد إليه سبيلاً وإن حرصت!
* * *
* أعود مرة أخرى إلى السؤال الوارد في مقدمة هذا الحديث، فأقول: ليس للبكاء عندي (موعد) لقاء، وأحسب الدمع (يشيخ) لدى المرء حتى يصبح بين يوم وليلة عزيز المنال! والأعجب من ذلك كله أن الدمعة عندي لا تستجيب لي أحيانًا وكأنها لا تتعاطف مع ظرفي الحزين، فتبقى أسيرة العين متمردة على الخروج لتزيل غبار الحزن من خاطري!
ولذا أغبط الأطفال أحيانًا، لأن الدمع يستجيب لندائهم لأتفه الأسباب، فتصل (رسائلهم) إلى حيث يريدون!
* * *
* أما نحن الكبار سنًا وعقلاً، فإن بين بعضنا والدمع إما ألفة أو جفوة أو عداء، وأحسب أنني أنتمي إلى الطيف الأوسط من هذا التصنيف. فالدمع عندي يجفوني متمردًا، وقد يستجيب بعد حين!
* * *
* وأضرب لذلك مثلاً، فحين بلغني نبأ وفاة سيدي الوالد -رحمه الله-، كنت خارج المملكة في مهمة رسمية، وقد اهتزت أوتار قلبي شجنًا، وتمنيت في تلك اللحظة (سُقيًا) من الدمع تمنحني صلابة وأمنًا، ثم عدتُ إلى المملكة مسرعًا لأستقبل العزاء، لكن الدمع ظل حبيس التمرد داخل أجفاني!
* * *
* وبعد ذلك الموقف المضمّخ بالحزن، شددت الرحال إلى أبها لأمضي جزءًا من إجازة العيد في رحابها، وذات فجر من أواخر رمضان، كنت أجلس خاشعًا في المسجد بين يدي الله، إذا بالدمع يخترق حواجز العينين، لحظة ذكرت سيدي الوالد داعيًا له بالرحمة والرضوان!
* * *
* أما المرة الأخرى التي (زارني) فيه الدمع، فكانت عَقِبَ وفاة سيدتي الوالدة -رحمها الله- بيوم واحد، وكنت لحظتئذٍ في سرادق العزاء في أبها، أستقبل المعزّين، متظاهرًا بالجلد، إلى أن تلقيت اتصالاً هاتفيًا من صديق في جدّة يعزيني في رحيل سيدة الحنان، إلى أن قال: لقد قرأت للتو مرثيتك في والدتك -رحمها الله-، ثم انهار هو باكيًا، هنا، حاصرني الدمع الغزير، واستبكيت بعض الحاضرين!
* * *
* أعود الآن إلى السؤال الوارد في صدر هذا الحديث فأقول: إن الدمع لا يؤرّخ بزمان، ولا يوثّق بمكان، لكن (ظروفًا) ما تسوقه أحيانًا مخترقًا بوابة البصر، بلا موعد في أي زمان أو مكان، والحمد لله في كل حال!