مها محمد الشريف
يعيش العالم اليوم في زمن التغير الاجتماعي والدور المهيمن للعلوم والتقنية، واكتشاف عالم جديد يتصف بالنموذج التقني ومسار عولمة التبادلات التي حققت هذا التغير ونتج عنها مكاسب كبيرة وضخمة ساعدت على الإدراك وعززت النتائج الضرورية لحياة عصرية استوجبت نسقاً من التصورات لتمثل رؤية متكاملة، فكل حضارة تقاس قيمتها طبقاً لدرجة تقدمها العلمي والتقني والإعلامي، فالحضارة كونية مهما تنوعت وتعددت أماكنها وشعوبها كما قال عنها ابن خلدون.
فالقوة اليوم تجسدها أجهزة الإعلام كقوة ضغط ناعمة حولها العلم والفن إلى أدوات بالغة القدرة على التأثير وتعد من أنجح الوسائل التي تصل إلى العقول ومسيرة حياتهم، فهي تنقل للناس وقائع محيطة بكل أوجه النشاط في مجتمعهم والمجتمعات الأخرى وتتجلى في استطاعتها العلمية والتكتيكية فتزودهم بالمقدرة على معرفة ومتابعة التطور الاجتماعي والإعلام الاجتماعي الذي يُشيرُ إلى مجموعةٍ من الأنشطة والأساليب التقنيَّة الجديدة التي مكَّنَت من إنتاج وإعداد وبثّ واستهلاك مختلف الأشكال الإعلاميَّة عبر الوسائِط المُتعدَّدة والأجهزَة الإلكترونيَّة والتواصُل الجماهيري من خلال الشبكات الاجتماعيَّة والأجهزة الرقميَّة المحمولة.
هناك قيمة عظيمة تؤكد أهمية عصر المعلومات وتأثيره في الإعلام وفي المجتمعات والدول ما جعله السلطة الأولى وليست الرابعة، لا سيما بعد الثورات التي اجتاحت العالم العربي وتتابعت الأزمات الاقتصادية والتحديات السياسية والأحداث الكبيرة التي أكدت أن الوسائل الإعلامية صناعة عالمية يجب مواكبتها في تكوين الآراء واتخاذ القرار فالإعلام الغربي يؤثر بصورة فعالة في كثير من القيادات السياسية في العالم والشعوب، وذلك من خلال النتائج التي ترتكز عليها الدول من أجل أهداف سياسية تحشد الجماهير وتدفع بهم لمزيد من الخيارات المقصودة، من هذا المنطلق قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة بأن وكالة الأنباء التلفزيونية CNN العضو رقم 6 في مجلس الأمن، وغالباً ما تجد المصداقية في هذه القنوات العالمية تنحاز إلى دول دون أخرى وخاصة إلى إسرائيل على حساب العرب.
وأصبحت المؤسسات الإعلامية الأمريكية تمثل إمبراطوريات إعلامية ضخمة تسيطر على العالم حسب اعترافات عدد من الإعلاميين الأمريكيين أثناء ورشة عمل نظمتها «آسبن العالمية»، فبكل الإمكانات الهائلة تخوض هذه المؤسسات أدواراً تُفرض عليها لإنجاح سياستها على الصعيد الدولي على عكس الإعلام المحلي في تشكيل الرأي العام أو يحدث تغييراً ملحوظاً يجذب المشاهد أو المستمع أو القارئ رغم التقنيات والإمكانات المتاحة.
إن المقصود هنا التسليم بإثباتات الواقع وعصر الإعلام ووسائله والعمل على تحقيق غاياته حتى نتمكن من التأسيس لمواطنة كونية عبر معايير مستحدثة وسلوكيات مبنية على وعي متناغم ومنسجم في ماهية العصر ومسوغاته وضرورة إعادة مفهوم المهنية الإعلامية والتوعية بضرورة فهم المجتمعات لهذا النوع المتذبذب من الإعلاميين وأهدافهم وأدوارهم ومتابعة القطاعين العام والخاص، فعلى المسؤولين تحديث القنوات الرسمية وتطوير وسائلها لكي تبحث عن مكانها وزمانها في دائرة المنافسة.
فإذا نظرنا من زاوية الواقع والظروف المحيطة بنا وإنجازاتها ودلالاتها السياسية التي غيرت سلوك معظم الناس كان لها أثر في النظام الاجتماعي لذلك يجب علينا التعرف على بعض المفاهيم الاجتماعية المتداولة فأكثر صروف الدهر تواتراً في حياة الإنسان سبب لتطوره عبر السياقات التاريخية القديمة والحديثة المتعارف عليها وسبق ذكرها في الكتب والأبحاث مثل: (المدنية، المجتمع المدني، الحضارة، المواطنة).
وكذلك هو الحال حول الاطلاع والبحث على الحركات الاجتماعية ودور النشاط الإعلامي المحلي المهم في جميع أجزاء الحياة العصرية وخاصة بعد ثورات الشعوب في تاريخ الحياة العربية وجوانبها المتعددة السياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية واللغوية التي غيرت وجه العالم، وعليه أن يلعب دوراً مهماً في عصر الأقمار الصناعية وتقنية المعلومات، إسهاماً يصوغ للمجتمع صلته بالعالم الخارجي ويعكس مدى تأثره بعصر التكنولوجيا ووسائلها الحديثة، واستراتيجيات تحول العقبات إلى فرص وأساليب مبتكرة.