تتميز محافظة الأحساء بتاريخها العريق، وتراثها المتنوع، ونمطها المعماري التراثي الأصيل.
وتُعدُّ واحة الأحساء المسجَّلة في قائمة التراث العمراني بمنظمة اليونسكو في يونيو 2018 إحدى كبرى الواحات الزراعية الطبيعية، وأكبر واحة نخيل محاطة بالرمال في العالم. وقد دخلت في عام 2020م موسوعة جينيس كأكبر واحة في العالم، وتحتل موقعاً جغرافياً واستراتيجياً مهماً منذ العصور القديمة؛ إذ كانت لها علاقات ثقافية مع الحضارات القديمة في الشام ومصر وبلاد الرافدين، واكتسبت أهميتها التاريخية لكونها تقع على الطريق ما بين اليمن والعراق، وبسبب ميناء العقير على الخليج العربي، إلى جانب توافر المياه والينابيع الطبيعية، وعدد كبير من أشجار النخيل التي تغطي مساحات شاسعة من الواحة.
كما أنها كانت بوابة شبه الجزيرة العربية إلى العالم الخارجي، وجسر الاتصال بين الخليج العربي وشبه القارة الهندية، والميناء البري الذي يربط ما بين المملكة ودول الخليج، وهي من أفضل الوجهات السياحية؛ إذ تشكل هضابها الخضراء ومزارعها وأشجار النخيل حديقة حية وسط بحر من الرمال.
وتعتبر الأحساء من أقدم مراكز الاستيطان البشري في شبه الجزيرة العربية، وأطلق عليها اسم البحرين، ثم سميت هجر، ثم أصبحت تحمل اسم الأحساء، وسميت بهذا الاسم لكثرة الحسي، أي ينابيع المياه التي تصب بشكل طبيعي وبغزارة؛ إذ يصل عددها إلى أكثر من 162 ينبوعاً، تتفاوت مياهها ما بين دافئة وساخنة وباردة؛ ففيها من العيون الطبيعية؛ ما وصل بشهرته إلى العالمية، مثل عين الجوهرية وأم سبعة والخدود والحارة وأم دلي وعين نجم، إضافة إلى المياه الكبريتية وجوها الجميل.
وتضم العديد من المواقع التاريخية والطبيعية المهمة، والأبنية الأثرية، منها: مسجد جواثا، قصر إبراهيم، قصر ساهود، قصر مهيريس، قصر أبو جلال، ميناء العقير، جبل قارة، سوق القيصرية، جبل الشعبة، مستوطنة جواثا، قصر الحزم، بجانب العديد من المقابر والحصون.
وتتميز المدن والقرى في محافظة الأحساء بوجود الأحياء القديمة التي تشكل جزءاً من المدينة المعاصرة، التي فيما بعد نشرت العمران الحديث (الكوت، الناثل.. إلخ في الهفوف)، وما تحتويه هذه الأحياء العمرانية من المعالم العمرانية والآثار ذات القيمة العالية.
ومن أبرز المواقع التراثية في محافظة الأحساء:
مسجد جواثا التاريخي
يحظى مسجد جواثا التاريخي بالأحساء بأهمية خاصة لكونه ثاني مسجد صليت فيه صلاة الجمعة في الإسلام بعد مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ويقع المسجد على بعد نحو 20 كيلومترًا باتجاه الشمال الشرقي لمدينة الهفوف، وقد بُني هذا المسجد أول مرة في عهد الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقام ببنائه (بنو عبد قيس) الذين كانوا يسكنون الأحساء آنذاك. ولا تزال قواعد هذا المسجد قائمة إلى وقتنا الحالي.
ويعود تاريخ المسجد إلى بداية العصر الإسلامي، وكانت تقطن المنطقة قبيلة بني عبد القيس الذين كان لهم السبق في اعتناق الإسلام، والعمل بتعاليمه والجهاد تحت رايته. ويُذكر أن حاكم عبد القيس المنذر بن عائد الملقب بالأشج فور علمه بظهور محمد - صلى الله عليه وسلم - أوفد رسولاً إلى مكة لاستجلاء الأمر. وحين وصل بالعلم اليقين أسلم، وأسلم جميع أفراد قبيلته، وأقام مسجد جواثا.
وعُرف عن جواثا أنها مركز تجاري، تقصدها القوافل التجارية، وتعود منها محملة ببضائع التمور والمنتجات الزراعية والعطور، وربما كانت سوقاً تجارية ترد إليها تجارة جنوب الجزيرة العربية لموقعها المميز؛ إذ تقع على طريق القوافل المتنقلة من الساحل إلى وسط الجزيرة العربية. وقد استمر عمرانها خلال الفترات الإسلامية المبكرة.
وقد تبنت مؤسسة التراث الخيرية ترميم المسجد، وتكفلت الهيئة الملكية للجبيل وينبع بتكاليف ترميم المسجد، مع عدد آخر من المساجد التاريخية في المنطقة الشرقية.
ميناء العقير
ميناء العقير على ساحل الخليج العربي من المواقع التاريخية المهمة في المملكة، وأول ميناء بحري فيها، كما كان الميناء الرئيس للحضارات المتعاقبة في الأحساء حتى عهد قريب.
وقد اهتم المؤسس الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - بميناء العقير لكونه البوابة الاقتصادية للدولة السعودية الناشئة، وكان إلى عهد قريب قبيل تأسيس ميناء الدمام الميناء الرئيس الذي يفد إليه الزائرون لوسط الجزيرة العربية وشرقها.
ويعد العقير بوابة نجد البحرية، ومعبر الاستيطان في المنطقة، وقد استمر أثره السياسي والتجاري والعسكري والفكري واضحاً في الأدوار السياسية التي تعاقبت على الساحل الشرقي للجزيرة العربية؛ إذ يعود عمق أقدم تبادل تجاري عبر العقير والبلاد المجاورة لها إلى العصور الحجرية.
ولأهميته، ولكونه الميناء الرئيس في شرقي البلاد، فقد شهد ميناء العقير أحداثًا سياسية واقتصادية في عهد الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه -؛ إذ استخدمه الملك عبدالعزيز مقراً لمقابلة الموفدين البريطانيين، واتخذه مقرًّا للمفاوضات مع الحكومة البريطانية.
وقد استمرت أهمية العقير بوصفه ميناءً؛ إذ ازدهر في بداية الدولة السعودية إلى قرابة سنة 1365هـ/ 1945م. وبفعل تحول الطرق التجارية بعد اكتشاف النفط في بقيق والظهران تراجعت أهمية العقير لوجود طرق حديثة معبدة، وبناء عدد من الموانئ الحديثة قريبة من منابع النفط والأسواق التجارية في المنطقة الشرقية.
وقام الملك عبدالعزيز بتطوير الميناء؛ فأُنشئت الجمارك والجوازات والفرضة ومبنى الخان ومبنى الإمارة والحصن والمسجد وعين الماء وبرج بوزهمول.
قصر إبراهيم
يعتبر قصر إبراهيم التاريخي بالأحساء من أشهر القصور التاريخية بالمملكة والمنطقة.
وقد شهد هذا القصر حدثاً تاريخياً مهماً؛ إذ تمكن القائد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن ـ طيب الله ثراه - من السيطرة عليه وما فيه من جنود وعتاد من أول يوم استرجع فيه الأحساء من قبضة العثمانيين ليلة الاثنين 28/5/1331 هـ.
ويقع قصر إبراهيم في حي الكوت بوسط مدينة الهفوف، وتقدر مساحة القصر بـ 18200 م2، ويرجع عهد بنائه إلى عهد الجبريين الذين حكموا الأحساء ما بين 840 ـ 941 هـ قبل قدوم العثمانيين الذين قاموا في حملتهم الأولى باحتلال قصر إبراهيم.
وتدل قوة قصر إبراهيم وفخامته على أن الهفوف كانت منطقة ثرية وقوية بسبب موقعها على أحد أهم الطرق التجارية في العالم.
ويتكون القصر من طرازين معماريين، هما: الطراز الديني من خلال الأقواس شبه المستديرة والقباب الإسلامية البارزة في القصر ومحراب المسجد، والطراز العسكري الذي يتمثل في الأبراج الضخمة التي تحيط بالقصر، إضافة إلى ثكنات الجنود السكنية التي تمثل شرق القصر وإسطبلات الخيول.
وقد تم ترميم القصر وتحويله إلى متحف، وتقام فيه وبجواره الفعاليات السياحية، ومن أبرزها مهرجان هجر للتراث الذي تنظمه هيئة السياحة سنويًّا.
المدرسة الأميرية
تعد المدرسة الأميرية التي يطلق عليها أيضًا «بيت الثقافة» من أقدم المدارس الحكومية، من خلال انطلاقها 1356هـ، وافتتاحها رسميًّا في محرم 1360هـ تحت رعاية الأمير سعود بن جلوي أمير الأحساء في ذلك الوقت؛ إذ تختزن تاريخًا وصفحات لمجموعة من الشخصيات والأعلام في مجالات الأدب والثقافة والاقتصاد، من أبرزهم صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير مكة المكرمة الذي درس القرآن الكريم والسنتين الأولى والثانية الابتدائيتين في الأحساء، ومعالي وزير البترول والثروة المعدنية - سابقًا - المهندس علي النعيمي، ووزير العمل السابق الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله -، وقد تخرجت أول دفعة في المدرسة، التي بلغ عددها 70 طالباً، سنة 1943م.
سوق القيصرية
ارتبط اسم سوق القيصرية بالأحساء باسم الواحة التي لعبت على مدى تاريخها دورًا في دفع الحركة الاقتصادية والأثرية والتاريخية للمملكة.
وهو سوق تاريخي، يقع بحي الرفعة في الأحساء، وبُني عام 1822م/ 1238 هـ، وهو عبارة عن صفوف من المحلات، تقع في ممرات مغلقة ومسقوفة.
ويعتبر سوق القيصرية من أحد المعالم السياحية والتراثية بمدينة الهفوف؛ إذ يهب إليه الزوار من مناطق المملكة ودول الخليج العربي.
وشكلت القيصرية إرثًا تقليديًّا للثقافة بوجود الحرف المهنية ومنتجاتها، كما يمثل نموذجًا فريدًا على مستوى الجزيرة العربية من حيث التصميم المعماري.
وكان لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان الدور الرئيس في الحفاظ على الطابع المعماري للسوق التاريخي، من خلال مبادرته وجهوده بالعمل على بناء السوق من جديد بطرازه المعماري التراثي، وبالمواد نفسها المستخدمة سابقاً قبل تعرضه للاحتراق، مع الحفاظ على تصميمها السابق، وبحلة جديدة عصرية، لا تخلو من النفحة القديمة التي ميزت هذا السوق. وهو ما قامت به الأمانة بالتعاون مع الهيئة وعدد من الشركاء المعنيين بالتراث العمراني.
قصر صاهود
بُني قصر صاهود التاريخي بين 1790 ـ 1800م، ويقع في وسط مدينة المبرز، وتعرض لحصار صاهود الشهير من قبل العثمانيين. يحيط بالقصر جدار دفاعي منخفض، وكان هذا الجدار الخارجي محاطاً بخندق مائي جاف.
وتختلف الحوائط الدفاعية لقصر صاهود عن بقية الحصون في الأحساء بأنها تحتوي على جدران خارجية وداخلية على مستوى المتراس. وأبراج قصر صاهود من أكثر الأبراج في القصور تنوعاً وتعقيداً من ناحية التصميم. عند الدخول إلى ساحة القصر توجد أبنية مبنية على طول جداره الغربي، وبجوار المدخل توجد السلالم الرئيسية، ويوجد بداخله مسجد واسع ومقسم إلى فسحتين مقسمتين بثلاثة أعمدة أسطوانية حجرية. أما المحراب والمنبر فموجودان في مشكاتين في جدار القصر، وكان يستخدم كدفاع عن المدينة وعن الأراضي الزراعية حولها، و كمراقب لمخيمات البدو الموسميين. ويعود اسم القصر إلى مدفع كان منصوباً داخل القصر، يطلق عليه صاهود. وقد برزت أهمية قصر صاهود بسبب موقعه الخارج عن العاصمة الجديدة، وإمكانية صد أي هجوم يأتي من الشمال.
بيت البيعة
يحكي بيت البيعة (الملا) قصة تاريخ مجيد لهذه البلاد المباركة؛ إذ بايع فيه أهالي الأحساء الملك عبد العزيز - رحمه الله - في عام 1331هـ. ويعد بيت البيعة من أشهر المعالم التي شهدت أبرز الأحداث قبل وأثناء توحيد المملكة.
يقع منزل الشيخ عبد اللطيف الملا (منزل البيعة) في وسط حي الكوت بمدينة الهفوف، وتقدر مساحته بحوالي 705م2. وأسس هذا المنزل عام1203هـ. شهد هذا المكان قدوم الملك عبد العزيز - رحمه الله - في فتح الأحساء في تاريخ 5 / 5 / 1331هـ؛ إذ أقام فيه وبايعه أهالي الأحساء على السمع والطاعة على كتاب الله وسُنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
قصر خزام
قصر خزام من القصور التاريخية المهمة في الأحساء، وبُني في المدخل الجنوبي الغربي للهفوف بحي النعاثل عام 1207هـ - 1210هـ في عصر الإمام سعود بن عبد العزيز الكبير. وتُعدّ فكرة بنائه في ذلك الموقع كحماية عسكرية من مخيمات البادية التي تستقر في ذلك الموقع في مواسم محددة من كل عام؛ إذ يحضر البدو الرُّحَّل إلى الأحساء لشراء مستلزماتهم.
ويُعتبر أصغر من قصر إبراهيم في الكوت؛ إذ تقدر أطوال أسواره بـ 70 مترًا في 80 مترًا. ويعد قصر خُزَام من أهم القصور التاريخية؛ إذ كان من القصور الملكية التي يسكنها الملك عبد العزيز آل سعود؛ فقد كان يعيش خلال مدة من الوقت بمنزل نصيف. ويعتبر القصر أول بناء بالسعودية تم إنشاؤه من الأسمنت والحديد.
عين نجم
عُرفت عين النجم بمياهها الكبريتية الحارة. وفي سنة 1308هـ نزل بها الإمام عبدالرحمن الفيصل آل سعود عندما جاء الأحساء، وكان يرافقه ابنه الملك عبدالعزيز الذي كان عمره آنذاك 12 سنة. وفي عام 1331 هـ قبيل فتح الأحساء وصل الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن إلى (عين نجم)، وأناخ ركابه مع إخوانه ورجاله، وأخذ يرتب الأمور لفتح الأحساء، وعندما استرد الملك عبدالعزيز الأحساء أعاد بناء العين، وعمل فيها تحسينات. وكانت العين مكاناً لتجمع وتوديع حجاج آسيا المغادرين والقادمين للأماكن المقدسة، فكان هذا التجمع يتحول إلى تجمع تجاري واقتصادي عبر إقامة بعض الأسواق الصغيرة. وبتاريخ 6 / 7 / 1430هـ، 29 يونيو 2009م، صدر قرار وزاري بنقل ملكية موقع متنزه عين نجم - البالغة مساحته (94/ 59.000 متر مربع) لمصلحة بلدية الأحساء، على أن تتولى الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني (وزارة السياحة حاليًا) الإشراف على المواقع الأثرية في متنزه عين نجم. ولا يزال موقع العين يضم بعض القبب على عين الماء التي أنشأها الأتراك إبان وجودهم في الأحساء.