د.بكري معتوق عساس
طفت بالذاكرة في عبق المكان وجلال الزمان، فجال بخاطري ذلك الشارع الذي وُلدت فيه، واستدعيت أروقته من واقع الأحياء القديمة بمكة المكرمة. جنوب المسجد الحرام. إنه شارع سيد الشهداء، حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله، الشارع الذي يفوح منه عبق التاريخ، من أشهر الشوارع التي تباع فيها الأطعمة الشعبية المتنوعة لتنوع البيئة للكثير من الجاليات المسلمة الذين قدموا بقصد الحج أو الجوار من بلدان مختلفة وقد أتوا بثقافتهم وتقاليدهم وعاداتهم الغذائية وأطعمتهم بأشكالها وأنواعها المختلفة.
شارع حمزة طوله في حدود ألف متر، على جانبيه أبنية متجاورة لا يزيد ارتفاعها عن دورين، يبدأ من زقاق البرسيم شمالا إلى بستان البخارية جنوبا. لا زال في الذاكرة عندما كنت أذهب مع الوالد (رحمه الله) وأنا في سن الخامسة إلى المسجد الحرام القريب من منزلنا. يبدأ الشارع من الشمال بزقاق البرسيم مرورا بقهوة صالح عويس (قهوة السقيفة) بالقرب منها دكان جميل مقادمي لبيع الرؤوس المندي الذي لا يبعد كثيرا عن فرن صدقة حنيفة الذي يأتيه العجين جاهزا من ربات البيوت، في منتصف الشارع فرن هاشم بدر ثم دكان آدم الجزار في منتصف الشارع تقريبا ولا يبعد عنه دكان الدوكي لبيع السوبيا والزبيب في جرار الطين، بعدها بقالة الباندة بجانب البازان، وأمام البازان مسجد السيد حمود الذي أكرمنا الله فيه بحفظ أجزاء من كتابه الكريم على يد العالم الجليل السيد حمود، قبله دكان الحساوي لبيع الحليب البقري والقشطة، يليه دكان حزيمة الهذلي لبيع الحليب واللبن، ولا يبعد عنهم إلى الجنوب دكان صلاح بكري لبيع الفول والمعصوب، وبجواره دكان عودة الفهمي لبيع العسل والسمن والجبن البلدي ويقع أمام مسجد سيدنا حمزة الذي سمي الشارع باسمه.
بجوار المسجد تقع قهوة الشجرة ثم دكان باجروان لبيع الشربة والكرشة بعدها دكان بكار النحاس الذي يصقل النحاس وأمامه دكان سلمان الشهير بـ(دونونو) لبيع المقادم، وبالقرب منه دكان يسلم باصفار لبيع الفول ولا يبعد عنهم منزل صلاح ديباني ومعصرة السمسم والحلاوة الطحينية والهريسة، ويقع بجانبه دكان غريب للمطبق وثابت اليماني لنفس المهنة وقبلهم فرن التميس وصاحبه إبراهيم بخاري وأمامه عبدالله الهيج المتخصص في بيع البيض والدجاج البلدي. ينتهي الشارع بقهوة المعلم يحيى مالنتا بالقرب من بستان البخاري الذي كان أحد حدائق مكة الجميلة التي احتضنت الكثير من المناسبات المكية.
تلك ذكريات من الزمن الجميل التي تترا على خاطري بين الحين والحين، فأذكر معها هذه الثلة المباركة التي حفرت في الذاكرة بهجة الحياة في زمنها البهيج، فتتوق النفس إلى عبقهم، ولا نملك إلا أن ندعو لهم بجزيل المثوبة ورفعة الدرجات في الجنات.