عبد العزيز الصقعبي
قد يكون صباحي هذا مختلفًا قليلاً، أنا أردت أن يكون مختلفاً ربما أشعر ولو قليلاً أنني تغيّرت، شاهدت الشمس وهي تشرق، منذ زمن طويل لم أتأمل هذا المنظر، هيأت نفسي أن أمارس السير في حديقة قريبة من بيتي، بها ممشى مناسب إلى حدٍّ ما، لبست بدله رياضية، وحملت هاتفي الذكي، ووضعت سماعتين على أذني، وشرعت بالسير، هنالك أكثر من شخص مثلي يمارس المشي، كنت أفكر أن أستمع لموسيقى هادئة، ثم غيرت رأيي، وقررت سماع إحدى قنوات «البودكاست»، كان حواراً مع أحد المشاهير، لم يعجبني كلامه، بحثت عن قناة أحرى، ثم قررت أن أستمع لكتاب صوتي، ولكن شعرت أنني مللت الكلام، ففضلت الصمت، أبعدت السماعتين عن أذني وأغلقت الهاتف الذكي، وبدأت أستمع لأصوات الطبيعة.
وأنا أمشي، كانت هنالك فرصة للتفكير، بالذات في وقت يمتاز بالهدوء مثل هذا الوقت، أشعر أننا نحاصر أنفسنا بالأصوات، أغلبها تصدره الآلات، صخب المدينة، صوت المكيف، وأحياناً صوت الهواء الذي يخرج من المكيف، حين نفتح أعيننا نتوجه لنرى ما تحمله هواتفنا من رسائل ومقاطع صوتية وفيديو، نستمع لها، ثم نشاهد التلفاز، وأحيانا نستمع للمذياع، وفي السيارة نستمع أيضاً للمذياع أو جهاز التسجيل أو ربما مع التقنية الحديثة ما تختزنه الأجهزة الذكية من أغان و أصوات مختلفة، وفي عملنا، نحاصر أنفسنا بأصوات أنفسنا، وحين نقرر أن نرتاح نتابع مسلسلات تلفزيونية أو نشاهد أفلام، أو نستمع لبرامج تلفزيونية، أو موسيقى وأغنيات، ونبقى في رحمة الأصوات المختلفة والتي قد يكون أغلبها صاخباً حتى يأتي موعد نومنا.
لا أدري لماذا بدأت أفكر بجدية حول الأصوات المختلفة التي تحاصرنا، وأنا أسير في هذا الممشى وحيداً، وأقصد وحيداً لعدم وجود شخص آخر أتحدث معه وأنا أمشي، لو كنت أمارس المشي في وقت آخر، بمعنى ليس مع إشراقة الشمس، ربما لقابلت أحد الأصدقاء، وسرنا معا وقطعنا الطريق يحمل أحدنا الآخر، بالطبع تتذكرون حكاية وافق شن طبقة، وقول الرجل لرفيقه بالسفر أتحملني أم أحملك، لا داعي لذكر الحكاية، فهي موجودة وبسهولة العثور عليها عبر موقع البحث الشهير قوقل، أعود لأقول أنني أسير وحيداً في هذا الممشى فلو كان في غير هذا الوقت ربما وجدت من أمشي معه ونتبادل الحديث، أو ربما استعنت بهاتفي المحمول ومكلمة طويلة أو أكثر من مكالمة، تنسيني أنني أمشي وحدي، لكن لا مجال الآن للمكالمات، لألتزم الصمت واستمع لأصوات الطبيعة، وبعض الناس الذين ربما أمر بالقرب منهم وهم يتحدثون، وبعض العمال بالذات عمال النظافة الذين يهيئون الحديقة والممشى مشكورين للناس لتكون نظيفة، خالية من مخلفات اليوم السابق، الصمت والهدوء وممارسة المشي في هذا الوقت المبكر جميعها ربما تساعدني أن أفكر بكتابة نص، شعري أو سردي، أو التفكير بكتابة مقال، ولكن لا أدري لماذا لا أستطيع، هل جسدي فقط هو المستيقظ وذهني وعقلي لا يزالان يغطان في سبات عميق، فعلاً أشعر بعجزي عن التفكير، المشي مفيد، وأذكر أنه جيد للاسترخاء الذهني، لذا يتيح التفكير بهدوء بالمشاريع المستقبلية، ولكن لا بأس، الاسترخاء الذهني أمر جيد، ولكن ليس لدي مشاريع مستقبلية، فعلا أنا أعيش الرتابة، لذا فقراري اليوم بجعل صباحي مختلفاً هو محاولة هروب من الرتابة، ربما هذا اليوم سأتوقف عن التفكير واكتفي بالتأمل، شروق الشمس، ومشاهدة كل ما حولي، وربما لو قررت أن أكرر ما أعمله الآن غداً قد أفكر جدياً بمشروع، حياتي أو إبداعي، أو..، ولكن لماذا أتعب نفسي بالتفكير، لأستمتع بالمشي، و تأمل أشجار الحديقة، ومراقبة أوائل الناس الذين يتجهون لأعمالهم المختلفة، ساعة واحدة تكفي للمشي هذا اليوم، وسأعود للبيت. إنني أمارس المشي مع شروق الشمس، لأكن مبتهجاً قليلاً، ابتسم، يجب أن أ شعر أنني حققت شيئاً، ولو كان مجرد كسر رتابة السهر الذي يكون نتيجته الاستيقاظ المتأخر، وبالطبع هذا أمر ليس بسهولة لمن اعتاد على السهر، أو لمن لا يلزم عملهم الاستيقاظ المبكر. بالنسبة لي، أنا أحاول، ربما هذا اليوم حققت شيئاً، أجل ثمة شيء مختلف هذاليوم، مارست المشي وشاهد بداية يوم جديد، لابتسم، فالحياة جميلة يا صاحبي، كما قال ناظم حكمت، أو كما قال فريد الأطرش « الحياة حلوها.. بس نفهمها» المشكلة أنني لم أفهمها بعد.